ثم إنه تعالى لما وصف شعراء الكفار بهذه الأوصاف استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجيبون شعراء الجاهلية ، ويهجون الكفار ويكافحون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه منهم حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، فقال :
{ إِلاَّ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات }{[38115]} .
روي عن كعب بن مالك أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ اللَّهَ قد أنزل في الشعراء ما أنزل ، فقال : النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل » وفي رواية قال له : «اهْجُهُمْ فوالذي نفسي بيده هو أشد عليهم من النبل »{[38116]} .
وكان يقول لحسان : «قُلْ فإنَّ روح القدس معك »{[38117]} .
واعلم أن الله تعالى وصفهم بأمور :
الأول : الإيمان ، وهو قوله : { إِلاَّ الذين آمَنُوا } .
وثانيها : العمل الصالح ، وهو قوله : «وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ » .
وثالثها : أن يكون شعرهم في التوحيد والنبوة ، ودعوة الحق ، وهو قوله : [ { وذكروا الله كثيراً } ] .
ورابعها : أنْ لا يذكروا هجواً إلا على سبيل الانتصار ممن يهجوهم وهو ]{[38118]} { وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا }{[38119]} قال الله تعالى : { لاَ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [ النساء : 148 ] . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً »{[38120]} وقالت عائشة{[38121]} : الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح فخذ الحسن ودع القبيح . وقال الشعبي : كان أبو بكر يقول الشعر ، [ وكان عمر يقول الشعر ]{[38122]} ، وكان عليٌّ أشعر الثلاثة . وروي عن ابن عباس أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده{[38123]} .
وقوله : { وَذَكَرُوا الله كَثِيراً } أي{[38124]} : لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ، { وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا } أي : انتصروا من المشركين ، لأنهم بدأوا بالهجاء ، ثم أوعد شعراء المشركين فقال : { وَسَيَعْلَمُ الذين ظلموا } أشركوا وهجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } أيّ مرجع يرجعون بعد الموت .
قال ابن عباس : إلى جهنم والسعير{[38125]} .
قوله : «أَيَّ مُنْقَلَبٍ » منصوب على المصدر ، والناصب له «يَنْقَلِبُونَ » وقُدِّم ، لتضمنه معنى الاستفهام ، وهو معلق ل «سَيَعْلَمُ » سادّاً مسدّ مفعوليها{[38126]} .
وقال أبو البقاء : «أيَّ مُنْقَلَبٍ » صفة لمصدر محذوف ، أي : ينقلبون انقلاباً أي منقلب ، ولا يعمل فيه «سَيَعْلَمُ » لأنَّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله{[38127]} .
وهذا مردود بأن أيّاً الواقعة صفة لا تكون استفهامية ، وكذلك الاستفهامية لا تكون صفة لشيء بل كل منهما قسم برأسه .
و «أي » تنقسم إلى أقسام كثيرة ، وهي : الشرطية{[38128]} ، والاستفهامية{[38129]} . والموصولة{[38130]} ، والصفة{[38131]} ، والموصوفة عند الأخفش خاصة{[38132]} ، والمناداة نحو : يا أيهذا{[38133]} والمُوصّلة لنداء ما فيه ( أل ) نحو : يا أيُّهَا الرجلُ . عند غير الأخفش{[38134]} ، والأخفش يجعلها في النداء موصولة{[38135]} .
وقرأ ابن عباس والحسن { أَيَّ مُنْفَلَتٍ يَنْفَلِتُونَ } بالفاء والتاء من فوق من الانفلات{[38136]} .
روى الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «أُعْطيتُ السورة التي يذكر فيها البقرة من الذكر الأول ، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى ، وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم السورة التي يذكر فيها البقرة من تحت العرش ، وأعطيت المفصل نافلة »{[1]} .
وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إنَّ اللَّه تعالى أعطاني السبع مكان التوراة ، وأعطاني الطواسين مكان الزبور ، وفضلني بالحواميم والمفصل ، ما قرأهن نبي قبلي » .
وعن أبي أمامة عن أُبيّ بن كعب قال : «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به ، وهود{[2]} ، وشعيب ، وصالح ، وإبراهيم ، وبعدد من كذب بعيسى ، وصدق بمحمد - صلى الله عليه وسلم - »{[3]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.