اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ} (63)

قوله : [ { فأوحينا إلى موسى أَنِ اضرب بِعَصَاكَ البحر } . لما قال موسى : { إن معي ربي سيهدين } بين تعالى كيف هداه ونجّاه وأهلك أعداءه ، فقال ]{[37253]} : { فأوحينا{[37254]} إلى موسى أَنِ اضرب بِعَصَاكَ البحر فانفلق } ولا بد قبله من جملة محذوفة ، أي : فضرب فانفلق . وزعم ابن عصفور أن المحذوف إنما هو : «ضرب » وفاء : «انفلق » . وأن الفاء الموجودة هي فاء «فَضَرَبَ » فأبقى{[37255]} من كل فعل ما يدلّ على المحذوف ، أبقى الفاء من «فَضَرَبَ » ليدلّ على «ضَرَبَ » وأبقى «انْفَلَقَ » ليدل على الفاء المتصلة به{[37256]} .

قوله : { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ } اختلف القراء في ترقيق راء{[37257]} «فرق » فروي عن ورش الترقيق لأجل القاف{[37258]} . وقرىء : «فِلْق » بلام بدل الراء ، لموافقة «فانفلق »{[37259]} والطود : الجبل العظيم المتطاول في السماء{[37260]} .

فصل :

قال ابن جريج : لما انتهى موسى إلى البحر هاجت الريح والبحر يرمي بموج كالجبال قال يوشع : يا مكلم الله ، أين أمرت ؟ فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا ، فقال موسى : هاهنا . فخاض يوشع الماء وجاز البحر ما يواري حافر دابته الماء ، وقال{[37261]} الذي يكتم إيمانه : يا مكلم الله ، أين أمرت ؟ قال : هاهنا . فكبح{[37262]} فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقيه ، ثم أقحمه البحر فارتسب في الماء ، وصنع القوم مثل ذلك ، فلم يقدروا ، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع ، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه فانفلق ، فإذا الرجل واقف على فرسه لا يبتلّ سرجه ولا لبده{[37263]} ، وهذا معجز عظيم من وجوه :

أحدها : أن تفرق ذلك الماء معجز{[37264]} .

وثانيها : ثبت في الخبر أنه تعالى أرسل على فرعون وقومه من الرياح والظلمة ما حيرهم ، فاحتبسوا القدر الذي يتكامل معه عدد بني إسرائيل ، وهذا معجز ثالث .

ورابعها : أن جعل الله في تلك الجدران المائية كوى{[37265]} ينظر بعضهم إلى بعض ، وهذا معجز رابع .

وخامسها : أن بقّى الله تعالى تلك المسالك حتى قرب آل فرعون فطمعوا أن يتخلّصوا من البحر كما تخلّص موسى - عليه السلام{[37266]} - فهو معجز خامس{[37267]} .


[37253]:ما بين القوسين سقط من ب.
[37254]:في الأصل: وأوحينا. وهو تحريف.
[37255]:في ب: وأبقى.
[37256]:قال ابن عصفور: ( وكذلك أيضاً يجوز حذف حرف العطف والمعطوف عليه لفهم المعنى، فمن ذلك قوله تعالى: {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} وقوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست} [الأعراف: 160] وقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184] التقدير: فضرب فانفلق، فضرب فانبجست، و "فأفطر فعدة" فحذف ضرب وأفطر وفاء العطف مما بعدها من أيام أخر). شرح جمل الزجاجي 1/251، وانظر المقرب 258-259.
[37257]:في ب: وا. وهو تحريف.
[37258]:الإتحاف 332.
[37259]:حكاه يعقوب عن بعضهم. المختصر 107، البحر المحيط 7/20.
[37260]:انظر الكشاف 3/116 .
[37261]:في ب: قال.
[37262]:الكبح: كبحك الدابة باللجام، كبح الدابة يكبحها كبحاً وأكبحها: جذبها إليه باللجام، وضرب فاها به كي تقف ولا تجري. اللسان (كبح).
[37263]:انظر البغوي 6/218-219.
[37264]:في الأصل: معجزة.
[37265]:كوى: جمع كوّة، وهي الخرق في الحائط، والثقب في البيت ونحوه. اللسان (كوى).
[37266]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[37267]:انظر الفخر الرازي 24/139.