اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

قوله : { بِمَا أَنْعَمْتَ } يجوز في الباء أن تكون ( قسماً و ){[39891]} الجواب مقدراً : لأَتوبنَّ ، وتفسيره : فَلأنْ أكُونَ{[39892]} ، قال القفال : كأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرماً ، أي : بنعمتك عليَّ{[39893]} ، وأنْ تكون متعلقة بمحذوف ومعناها السببية ، أي : اعصمني بسبب ما أَنعمتَ به{[39894]} عليَّ{[39895]} ، ويترتب عليه قوله : { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً } ، و «مَا » مصدرية أو بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، وقوله : «فَلَنْ » نفيٌ على حقيقته{[39896]} ، وهذا يدل على أنه قال : لِمَ{[39897]} أنعمت عليَّ بهذا الإنعام فإني لا أكون معاوناً لأحد من المجرمين بل أكون معاوناً للمسلمين ، وهذا يدلّ على أَنَّ ما أقدم عليه من إعانة الإسرائيلي على القبطي كان طاعة لا معصية ، إذ لو كان معصية لنزل الكلام منزلة قوله : «إنك لمَّا أنعمت عليَّ بقبول{[39898]} توبتي من تلك المعصية{[39899]} .

وقال الكسائي{[39900]} والفراء{[39901]} : إنه خبر ومعناه الدعاء ، وإنَّ «لَنْ » واقعة موقع «لا » ، كأنه قال : ولا تجعلني ظهيراً ، قال الفراء : في حرف عبد الله { وَلاَ تَجْعَلْنِي ظَهِيراً }{[39902]} قال الشاعر :

3980 - لَنْ تَزَالُوا كَذلكُم ثُمَّ لا زلْ *** تَ لَهُمْ خَالِداً خُلُودَ الجِبَالِ{[39903]}

قال شهاب الدين : وليس في الآية والبيت دلالة على وقوع «لن » موقع «لا » ، لظهور النفي فيهما من غير تقدير دعاء{[39904]} .

فصل :

قال ابن عباس : { بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } بالمغفرة ، { فَلَنْ أَكُوْنَ ظَهِيراً } عوناً «لِلْمُجْرِمينَ » ، أي : للكافرين وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافراً ، وهو قول مقاتل ، وقال قتادة : لن أعين بعدها على خطيئة .

قال ابن عباس : لم يستثن فابتلي به في اليوم الثاني{[39905]} : ( وهذا ضعيف ، لأنه في اليوم الثاني ترك الإعانة ، وإنما خاف منه ذلك العدو ، فقال : { إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً } [ القصص : 19 ] إلاّ أنه لم يقع منه ){[39906]} {[39907]} .


[39891]:ما بين القوسين في الأصل: فيها.
[39892]:انظر الكشاف 3/160، التبيان 2/1018، البحر المحيط 7/109.
[39893]:انظر الفخر الرازي 24/235.
[39894]:به: سقط من ب.
[39895]:انظر الكشاف 3/160، التبيان 2/1018، البحر المحيط 7/109-110.
[39896]:قال الأخفش: (وقال: "فلن أكون ظهيراً" كما تقول: لن يكون فلان في الدار مقيماً، أي: لا يكونن مقيماً) معاني القرآن 2/652.
[39897]:في ب: لما.
[39898]:بقبول: تكملة من الفخر الرازي.
[39899]:انظر الفخر الرازي 24/235.
[39900]:انظر إعراب القرآن للنحاس 3/232.
[39901]:معاني القرآن 2/304.
[39902]:المرجع السابق.
[39903]:البيت من بحر الخفيف قاله الأعشى وهو في ديوانه 169، البحر المحيط 7/110، المغني 1/284، شرح التصريح 2/230، الهمع 1/111، 412، شرح شواهد المغني 2/684، الأشموني 3/278، الدرر 1/80. والشاهد فيه أن (لن) أتت للدعاء كما أن (لا) كذلك والدليل عطف الدعاء عليه، وهو قوله: (ثم لا زلت...) وفاقاً لجماعة منهم ابن السراج وابن عصفور، والأكثرون أن (لن) تفيد النفي فقط، فالكلام معها على الإخبار.
[39904]:الدر المصون 5/314.
[39905]:انظر البغوي 6/227.
[39906]:انظر الفخر الرازي 24/235.
[39907]:ما بين القوسين سقط من ب.