اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (105)

قوله : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ }

قال أكثر المفسرين : هم اليهود والنصارى{[5775]} ، وقال بعضهم : هم المُبْتَدِعَةُ من هذه الأمة{[5776]} .

وقال أبو أمامةُ : هم الحرورية بالشام . {[5777]}

وقال عبد الله بن شداد : وقف أبو أمامة - وأنا معه - على رؤوس الحرورية بالشام فقال : كلاب النار كانوا مؤمنين ، فكفروا بعد إيمانهم ، ثُمَّ قرأ : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ } الآية .

وروى عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ سرَّه بَحْبُوحَةُ الجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الواحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الاثْنينِ أبْعَدُ{[5778]} " .

وذكر الفعلَ في قوله : { وجَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } للفصل ولكونه غيرَ حقيقيِّ ؛ لأنه بمعنى الدلائل .

وقيل : لجواز حذف علامة التأنيث من الفعل - إذا كان فعل المؤنث متقدِّماً .

والتفرق والافتراق واحد ، ملا رَوَى أبو برزة - في حديث بيع الفرس - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البَيْعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، وَإنِّي لأرَاكُما قَدِ افْتَرَقْتُمَا{[5779]} " فجعل التفرُّقَ والافتراقَ بمعنًى واحدٍ ، وهو أعلم بلغة الصحابة ، وبكلام النبيّ صلى الله عليه وسلم .

قال القرطبي : وأهل اللغة فرَّقوا بين فَرَقْت - مخففاً - وفرَّقت مشدداً ، فجعلوه - بالتخفيف - في الكلام ، وبالتثقيل في الأبدان " .

قال ثعلب : " أخبَرَني ابن الأعرابيّ ، قال : يقال : فرَقْتُ بين الكلامين - مخففاً - فافترقا ، وفرَّقْت بين الاثنين بالتشديد فتفرقا " . فجعل الافتراق في القول ، والتفرق في الأبدان ، وكلام أبي برزة يرد هذا .

وقال بعضهم : { تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ } معناهما مختلف .

فقيل : تفرقوا بالعداوة ، واختلفوا في الدين .

وقيل : تفرقوا بسبب استخراج التأويلاتِ الفاسدةِ لتلك النصوصِ ، واختلفوا في أن حاول كلُّ واحدٍ منهم نُصْرَةَ مَذْهَبِهِ .

وقيل : تفرقوا بأبدانهم - بأن صار كل واحد من أولئك الأخيار رئيساً في بلدٍ .

قوله : { وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } يعني : بسبب تفرُّقهم .


[5775]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/62) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
[5776]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/62).
[5777]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (4/107).
[5778]:أخرجه الترمذي (4/404) كتاب الفتن باب ما جاء في لزوم الجماعة (2165) والحاكم (1/114) والبغوي في "شرح السنة" (5/557) عن عمر بن الخطاب مرفوعا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[5779]:أخرجه أبو داود 2/295 في البيوع (3457) وابن ماجه مختصرا 2/738 في التجارات (2182) ونقل الزيلعي في نصب الراية 4/3 قول المنذري في مختصره: ورجاله ثقات.