قوله : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِن رِباً } ، قرأ ابن كثير أَتَيْتُمْ مقصوراً ، وقرأ الآخرون{[42084]} بالمد أي أعْطَيْتُم ومن قصر فمعناه جِئْتم من رباً ومجيئهم ذلك على وجه الإعطاء كما تقول : أتيت خطأ ، وأتيت صواباً{[42085]} وهو يؤول{[42086]} في المعنى إِلى قول من مَدَّ .
قوله : «لِيَرْبُو » العامة على الياء{[42087]} تحت مفتوحة ، أسند الفعل لضمير «الرِّبَا » أي لِيَزْدادَ ، ونافعٌ ويعقوبٌ بتاءٍ من فوق مضمومةً خطاباً للجماعة ، قَالُوا وعلى الأول لامُ الكلمة ، وعلى الثاني كلمةٌ ، ضميرُ الغائبينَ{[42088]} .
ذكر هذا تحريضاً يعني أنكم إذا طلب منكم واحد باثنين ( تَرْ{[42089]} ) غَبُونَ فيه وتُؤْثِرُونَهُ ، وذلك لا يربو عند الله فاختطاف{[42090]} أموال الناس والزكاة تنمُو عند الله كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقعُ في يَدِ الرَّحْمنِ فَتَرْبُوا حَتَّى تَصِيرَ مِثْلَ الجَبَلِ »{[42091]} فينبغي أَن يكون إقْدَامكُمْ على الزكاة أكثرَ واختلفوا في معنى الآية قال سعيد بن جبير ، ومجاهد وطاوس{[42092]} وقتادة والضحاك{[42093]} وأكثر المفسرين : هو الرجل يعطي عبده العطيَّة لِيُثيبَ أكثر{[42094]} منها ، فهذا جائز حلالاً ، ولكن لا يثاب عليه في الفقه{[42095]} فهو{[42096]} معنى قوله تعالى : { فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله } وكان هذا حراماً على النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة لقوله تعالى : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [ المدثر : 9 ] أي لا تعطِ وتطلب أكثر مما أعطيتَ ، وقال النخعي : هو الرجل يعطي صديقه وقريبه ليكثر ماله ، ولا يريد به وجه الله{[42097]} . وقال الشعبي : هو الرجل يَلْتَزِقُ بالرجل{[42098]} فيجزيه{[42099]} ويسافر معه فيحصل له ربح ماله التماس عونه لا لوجه الله فَلاَ يَرْبُو عند الله ؛ لأنه لم يُردْ به وَجْهَ الله { وَمَا آتَيْتُمْ مِن زَكَاةٍ } أعطيتم من صدقة تريدون وجه الله .
قوله : { فأولئك هُمُ المضعفون } أي أصحاب الأضعاف ، قال الفراء : نحو مُسْمِن{[42100]} ومُعْطِشٍ أي ذي إبل سِمَانٍ وعِطَاشٍ ، وتقول العرب : القوم مُهْزِلُونَ ومُسْمِنُونَ ، إذا هَزِلَتْ وسَمِنَتْ{[42101]} ، فالمُضْعِفُ ذو الأضْعَافِ من الحسنات وقرأ «أبيّ » بفتح العين{[42102]} ، وجعله اسم مفعول . وقوله : ( «فَأُولَئِكَ{[42103]} هُمْ » قال الزمخشري : «التفات حسن كأنه قال لملائكته وخواص خلقه ) فأولئك الذين يريدون وجه الله بصدقاتهم «هم المُضْعِفُون » والمعنى هم المُضْعِفُونَ به لأنه من ضمير يرجع إلى ( «مَا انتهى{[42104]} ) يعني أن اسم الشرط مَتَى كان غير ظرف وَجَبَ عودُ ضميرٍ من الجواب عليه . وقد تقدم ذلك في البقرة عند : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ }{[42105]} ثم قال : «ووجه آخر : وهو أن يكون تقديره فمُؤْتُوه فأولئك هم المضعفون ، والحذف لباقي الكلام من الدليل عليه » ، وهذا أسهل مأخذاً ، والأول أملأ بالفائدة .
قوله : { الله الذي خَلَقَكُمْ } يجوز في خبر الجلالة وجهان :
أظهرهما : أنه الموصول بعدها{[42106]} .
والثاني : أنه الجملة{[42107]} من قوله : { هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَن يَفْعَلُ } والموصول ( صفة ){[42108]} للجلالة ، وقدر الزمخشري الرابط المبتدأ ، والجملة الرافعة ( خبراً ) فقال : «من ذلكم » هو الذي ربط الجملة بالمبتدأ ، لأن معناه من أفعاله . قال أبو حيان : والذي ذكره{[42109]} النحويون أن اسم الإشارة يكون رابطاً إذا أشير{[42110]} به إلى المبتدأ ، وأما ذلك{[42111]} هنا فليس بإشارة إلى المبتدأ لكنه شبيه بما أجازه الفراء من الرَّبْطِ بالمعنى{[42112]} وذلك في قوله : { والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ } [ البقرة : 234 ] قال : التقدير يَتَرَبَّصْنَ أزواجُهُمْ ، فقدر الرابط{[42113]} بمضاف إلى ضمير «الذين » فحصل به الربط كذلك قدر الزمخشري «من ذلكم » من أفعاله بمضاف إلى{[42114]} الضمير العائد إلى المبتدأ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.