اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ} (39)

قوله : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِن رِباً } ، قرأ ابن كثير أَتَيْتُمْ مقصوراً ، وقرأ الآخرون{[42084]} بالمد أي أعْطَيْتُم ومن قصر فمعناه جِئْتم من رباً ومجيئهم ذلك على وجه الإعطاء كما تقول : أتيت خطأ ، وأتيت صواباً{[42085]} وهو يؤول{[42086]} في المعنى إِلى قول من مَدَّ .

قوله : «لِيَرْبُو » العامة على الياء{[42087]} تحت مفتوحة ، أسند الفعل لضمير «الرِّبَا » أي لِيَزْدادَ ، ونافعٌ ويعقوبٌ بتاءٍ من فوق مضمومةً خطاباً للجماعة ، قَالُوا وعلى الأول لامُ الكلمة ، وعلى الثاني كلمةٌ ، ضميرُ الغائبينَ{[42088]} .

فصل :

ذكر هذا تحريضاً يعني أنكم إذا طلب منكم واحد باثنين ( تَرْ{[42089]} ) غَبُونَ فيه وتُؤْثِرُونَهُ ، وذلك لا يربو عند الله فاختطاف{[42090]} أموال الناس والزكاة تنمُو عند الله كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقعُ في يَدِ الرَّحْمنِ فَتَرْبُوا حَتَّى تَصِيرَ مِثْلَ الجَبَلِ »{[42091]} فينبغي أَن يكون إقْدَامكُمْ على الزكاة أكثرَ واختلفوا في معنى الآية قال سعيد بن جبير ، ومجاهد وطاوس{[42092]} وقتادة والضحاك{[42093]} وأكثر المفسرين : هو الرجل يعطي عبده العطيَّة لِيُثيبَ أكثر{[42094]} منها ، فهذا جائز حلالاً ، ولكن لا يثاب عليه في الفقه{[42095]} فهو{[42096]} معنى قوله تعالى : { فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله } وكان هذا حراماً على النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة لقوله تعالى : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [ المدثر : 9 ] أي لا تعطِ وتطلب أكثر مما أعطيتَ ، وقال النخعي : هو الرجل يعطي صديقه وقريبه ليكثر ماله ، ولا يريد به وجه الله{[42097]} . وقال الشعبي : هو الرجل يَلْتَزِقُ بالرجل{[42098]} فيجزيه{[42099]} ويسافر معه فيحصل له ربح ماله التماس عونه لا لوجه الله فَلاَ يَرْبُو عند الله ؛ لأنه لم يُردْ به وَجْهَ الله { وَمَا آتَيْتُمْ مِن زَكَاةٍ } أعطيتم من صدقة تريدون وجه الله .

قوله : { فأولئك هُمُ المضعفون } أي أصحاب الأضعاف ، قال الفراء : نحو مُسْمِن{[42100]} ومُعْطِشٍ أي ذي إبل سِمَانٍ وعِطَاشٍ ، وتقول العرب : القوم مُهْزِلُونَ ومُسْمِنُونَ ، إذا هَزِلَتْ وسَمِنَتْ{[42101]} ، فالمُضْعِفُ ذو الأضْعَافِ من الحسنات وقرأ «أبيّ » بفتح العين{[42102]} ، وجعله اسم مفعول . وقوله : ( «فَأُولَئِكَ{[42103]} هُمْ » قال الزمخشري : «التفات حسن كأنه قال لملائكته وخواص خلقه ) فأولئك الذين يريدون وجه الله بصدقاتهم «هم المُضْعِفُون » والمعنى هم المُضْعِفُونَ به لأنه من ضمير يرجع إلى ( «مَا انتهى{[42104]} ) يعني أن اسم الشرط مَتَى كان غير ظرف وَجَبَ عودُ ضميرٍ من الجواب عليه . وقد تقدم ذلك في البقرة عند : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ }{[42105]} ثم قال : «ووجه آخر : وهو أن يكون تقديره فمُؤْتُوه فأولئك هم المضعفون ، والحذف لباقي الكلام من الدليل عليه » ، وهذا أسهل مأخذاً ، والأول أملأ بالفائدة .

قوله : { الله الذي خَلَقَكُمْ } يجوز في خبر الجلالة وجهان :

أظهرهما : أنه الموصول بعدها{[42106]} .

والثاني : أنه الجملة{[42107]} من قوله : { هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَن يَفْعَلُ } والموصول ( صفة ){[42108]} للجلالة ، وقدر الزمخشري الرابط المبتدأ ، والجملة الرافعة ( خبراً ) فقال : «من ذلكم » هو الذي ربط الجملة بالمبتدأ ، لأن معناه من أفعاله . قال أبو حيان : والذي ذكره{[42109]} النحويون أن اسم الإشارة يكون رابطاً إذا أشير{[42110]} به إلى المبتدأ ، وأما ذلك{[42111]} هنا فليس بإشارة إلى المبتدأ لكنه شبيه بما أجازه الفراء من الرَّبْطِ بالمعنى{[42112]} وذلك في قوله : { والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ } [ البقرة : 234 ] قال : التقدير يَتَرَبَّصْنَ أزواجُهُمْ ، فقدر الرابط{[42113]} بمضاف إلى ضمير «الذين » فحصل به الربط كذلك قدر الزمخشري «من ذلكم » من أفعاله بمضاف إلى{[42114]} الضمير العائد إلى المبتدأ .


[42084]:القرطبي 14/36 والبحر المحيط 7/174 وبدون نسبة في الكشاف 3/223.
[42085]:القرطبي 14/36.
[42086]:في "ب" مئول.
[42087]:مختصر ابن خالويه 116 والسبعة 407 والإتحاف 348 وانظر في توجيه ذلك الكشف 2/184 و 185 ومعاني الفراء 2/325 والبحر 7/174.
[42088]:المراجع السابقة والدر المصون 4/327.
[42089]:هذا الجزء من الكلمة ساقط من "ب".
[42090]:في "ب" في اختطاف.
[42091]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/126.
[42092]:طاوس: هو ابن كيسان اليماني الجندي عن أبي هريرة، وعائشة وابن عباس، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم وغيرهم وعنه: مجاهد، وعمرو بن شعيب، والزهري مات سنة 106، انظر: خلاصة الكمال 181.
[42093]:الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم الخراسانيّ المفسر يروى تفسيره عن عبيد بن سليمان، صدوق، كثير الإرسال من الطبقة الخامسة مات بعد المائة، انظر: طبقات المفسرين للداودي 1/222.
[42094]:القرطبي 14/36.
[42095]:في "ب" الغنيمة.
[42096]:في "ب" فهذا معنى.
[42097]:المرجع السابق.
[42098]:السابق.
[42099]:في "ب" فيخدمه.
[42100]:انظر: معاني القرآن له 2/325.
[42101]:في "ب" يهزلون ويسمنون وعبارة الفراء كما في المعاني 2/325 "كما تقول العرب: أصبحتم مسمنين معطشين إذا عطشت إبلهم أو سمنت".
[42102]:وهي من القراءات الشاذة، وانظر: مختصر ابن خالويه 116.
[42103]:ما بين القوسين كله ساقط من "ب" وموجود بالكشاف و"أ".
[42104]:ما بين القوسين ساقط من "ب" وموجود بالكشاف وانظر: الكشاف 3/224.
[42105]:الآية 97 من البقرة فلا يجوز: "من يقم فمحمد مكافئ".
[42106]:في "ب" بعده.
[42107]:انظر: الكشاف 3/224 والقرطبي 14/40 والبحر المحيط 7/175 والدر المصون 4/328.
[42108]:ساقط من "ب".
[42109]:انظر: البحر المحيط 7/175.
[42110]:فيه: إذا كان أشير به.
[42111]:وفيه: "ذلكم" بالجمع.
[42112]:وفيه: وخالفه الناس وذلك الخ....
[42113]:فيه: فقدر الضمير بمضاف.
[42114]:انظر: البحر المحيط 7/175.