قوله : { قُلْ إنَّما أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } أي آمركم وأوصيكم بواحدة أي بخصلة واحدة ثم بين تلك الخصلة فقال : { أنْ تَقُومُوا لِلَّهِ } أي لأجل الله .
قوله : «أن تقوموا » فيه أوجه :
أحدها : أنها مجرورة المحل بدلاً من «وَاحِدَةٍ » على سبيل البيان . قاله الفارسي{[44804]} .
الثاني : أنها عطف بيان «لواحدة » قاله الزمخشري{[44805]} . وهو مردود لتخالفها تعريفاً وتنكيراً ، وقد تقدم هذا عند قوله : { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } [ آل عمران : 97 ] .
الثالث : أنها منصوبة بإضمار «أَعْنِي »{[44806]} .
الرابع : أنها مرفوعة على خبر ابتداء مضمر أي هي أن تقوموا{[44807]} ، و «مَثْنَى وفُرَادَى » حال{[44808]} . وتقدم تحقيق القول في «مثنى » وبابه في سورة النساء{[44809]} ، ومضى القول في «فُرَادَى » في الأنعام{[44810]} ، ومعنى «مَثْنَى » أي اثنين اثنين ، و «فُرَادَى » واحداً واحداً . ثم قوله : { ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } عطف على «أنْ تَقُومُوا » أي قِيَامكُمْ ثم تَفَكُّركُمْ ، والوقف عند أبي حاتم على هذه الآية ثم يتبدئ : «مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةِ »{[44811]} . وقال مقاتل : تم الكلام ( عند ){[44812]} قوله : { ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } أي في خلق السموات والأرض فتعلموا أن خالقهما واحد لا شريك له{[44813]} .
قوله : { مَا بِصَاحِبكُمْ مِنْ جِنَّةٍ } وفي «ما » هذه قولان :
أحدهما : أنها نافية{[44814]}
والثاني : أنها استفهامية{[44815]} لكن لا يراد به حقيقة الاستفهام فيعود إلى النفي . وإذا كانت نافية فهل هي معلقة أو مستأنفة أو جواب القسم الذي تضمنه معنى «تَتَفَكَّرُوا » لأنه فعل تحقيق كتَبَيَّنَ وبابه ؟ ثلاثة أوجه نَقَل الثَّالِثَ ابنُ عطية{[44816]} . وربما نسبه لِسِيبويهِ ، وإذا كانت استفهامية جاز فيها الوجهان الأولان دون الثالث و «مِنْ جنَّةٍ » يجوز أن يكون فاعلاً بالجار{[44817]} لاعتماده{[44818]} وأن يكون مبتدأ{[44819]} ، ويجوز في «ما » إذا كانت نافية أن تكون الحجَازيَّة أو التَّمِيميَّة{[44820]} .
قوله : { مثنى وفرادى } إشارة إلى جميع الأحوال فإن الإنسان إما أن يكون مع غيره فيدخل في قوله «مَثْنَى » وإن كان وحده دخل في قوله : «فُرَادَى » فكأنه قال : تَقُومُوا لله مجتَمعِينَ ومُنْفَرِدِين لا يمنعكم الجمعيَّةُ من ذكر الله ولا يحوجكم الانفراد إلى معين يُعينكم على ذكر الله{[44821]} ، ثم تتفكروا في حال محمد - صلى الله عليه وسلم - فتعلموا ما بصاحبكم من «جنة » جنون . وليس المراد من القيام القيام ضد الجلوس وإنما هو القيام بالأمر الذي هو طلب الحق{[44822]} كقوله : { وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط } [ النساء : 127 ] قال ابن الخطيب{[44823]} : وقوله : { بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ } يفيد كونه رسولاً وإن كان لا يلزم في كل من لا يكون به جنة أن يكون رسولا ، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يظهر من أشياء لا تكون مقدورة للبشر وغير البشر من{[44824]} يظهر منه العجائب إما الجن وإما الملك فإذا لم يكن الصادر من النبي - عليه السلام- بواسطة الجن بل{[44825]} بقدرة الله من غير واسطة وعلى التقديرين فهو رسول الله وهذا من أحسن الطُّرق ، وهو الذي يثبت الصفة التي هي أشرف الصفات في البشر بنفي أخسِّ الصفات فإنه لو قال أولاً هو رسول كانوا يقولون فيه النِّزاع فإذا قال : ما هو مجنون لم يسعهم إنكار ذلك ، ليعلمهم بعلو شأنه وحاله في قوة لسانه ، فإذا ساعدوا على ذلك لزمتهم المسألة ولهذا قال بعده : { إنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَكُمْ } يعني إما هو به جِنّة أو هو رسول لكن تبين أنه ليس به جنة فهو نذير .
وقوله : { بَيْنَ يَدِيْ عَذَابِ شَدِيدٍ } إشارة إلى قرب العذاب كأنه قال ينذركم بعذاب حاضر يَمَسّكم عن قريبٍ{[44826]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.