قوله : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ } يستغيثون ويصيحون » فِيهَا «وهو يَفْتَعِلُون من الصَّراخ وهو الصِّياح . وأبدلت الفاء صاداً لوقوعها قبل الطاء ، » يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرجْنَا مِنْهَا «من النار فقوله : » ربنا «على إضمار القول وذلك القول إن شئت قدرته فعلاً مفسراً ليَصْطَرِخُونَ أي يقولون في صراخهم كما تقدم وإن شئت قدرته حالاً من فاعل » يصطرخون «أي قَائِلينَ ربَّنا{[45474]} .
قوله : { صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَل } يجوز أن يكونا نَعْتَيْ{[45475]} مصدر محذوف أي عملاً صالحاً غير الذي كنا نعمل وأن يكونا نعتي{[45476]} مفعول به محذوف أي نعمل شيئاً صالحاً غير الذي كنا نعمل وأن يكون » صالحاً «نعتاً لمصدر و » غيرالذي كنا نعمل «هو المفعول به . وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : فهلا اكتفي بصالِحاً كما اكتفي به في قوله : فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً ؟ وما فائدة زيادة غير الذي كنا نعمل ؟ على أنه يوهم أنهم يعملون صالحاً آخر غير الصالح الذي عملوه ؟ قلتُ : فائدته زيادة التحسرّ على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به وأما الوهم فزائل بظهور حالهم في الكفر وظهور المعاصي ولأنهم كانوا يحسبون أنهم على سيرة صالحة كما قال تعالى : { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 104 ] فقالوا : أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِجاً غَيْرَ الِّذي كُنَا نَحْسَبُهُ صَالِحاً فنعمله{[45477]} .
قوله : » أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ «( أي فيقول{[45478]} لهم توبيخاً : أو لم نعمركم أي عَمَّرْنَاكُمْ مِقْداراً يمكن التذكرُ فيه .
قوله : { مَّا يَتَذَكَّرُ } جوزوا في » ما «هذه وجهين :
أحدهما : ولم يحك أبو حيان غيره- : أنها مصدرية{[45479]} ظرفية قال : أي مُدَّةَ تَذَكُّر ، وهذه غلط لأن الضمير ( في ){[45480]} ( فيه ) يمنع ذلك لعوده على » ما «ولم يَقُلْ باسمية ما المصدرية إلا الأخْفَشُ وابنُ السِّرِّاجِ{[45481]} .
والثاني : أنها نكرة موصوفة أي تَعَمُّراً يُتّذَكَّرُ{[45482]} فيه أو زماناً يُتَذَكَّرُ فيه . وقرأ الأعمش ما يذَّكَّرُ بالإدغام من «اذَّكَّر »{[45483]} قال أبو حيان : بالإدغام واجتلاب همزة الوصل ملفوظاً بها في الدَّرج{[45484]} وهذا غريب حيث أثبت همزة الوصل مع الاستغناء عنها إلاَّ أَنْ يكون حافَظَ على{[45485]} سكون «من » وبيَان ما بعدها .
معنى قوله : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } قيل : هو البلوغ . وقال قتادة وعطاء والكلبي : ثماني عشرة سنة وقال الحسن : أربعون سنة . وقال ابن عباس : ستون سنة . رُويَ ذلك عن عَلِيِّ وهو العمر الذي أَعْذَرَ الله إلى ابن آدم{[45486]} . قال - عليه ( الصلاة و ) السلام- : «أعْذَرَ اللَّهُ إلَى آدَم امْرىءٍ أخَّر أَجَلَهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً »{[45487]} وقال عليه ( الصَّلاَةُ و ) السلام- : «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوز ذَلِكَ »{[45488]} .
قوله : { وَجَآءَكُمُ } عطف على «أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ » ؛ لأنه في معنى{[45489]} قَدْ عَمَّرناكُمْ كقوله : { أَلَمْ نُرَبِّكَ } [ الشعراء : 18 ] ثم قال : وَلَبِثْتَ { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ } [ الشرح : 1 ] ثم قال : { وَوَضَعْنَا } [ الشرح : 2 ] إذْ هما في معنى رَبَّيْنَاك وشَرَحْنا ، والمراد بالنَّذير محمد - صلى الله عليه وسلم - في قول أكثر المفسرين . وقيل : القرآن . وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع : هو الشيب{[45490]} والمعنى أو لم نعمركم حتى شِبْتُم . ويقال : الشَّيْبُ نذير الموت . وفي الأثر : مَا مِنْ شَعْرَةٍ تَبْيَضُّ إلاَّ قَالَتْ لأُخْتِهَا : اسْتَعِدِّ ] فَقَدْ قَرُبَ الْمَوتُ{[45491]} وقرئ : النّذُر جمعاً{[45492]} .
قوله : { فَذُوقُواْ } أمر إهانة «فَمَا » لِلظّالِمينَ «الذين وضعوا أعمالهم وأقوالهم في غير موضعها . » مِنْ نَصيرٍ «في وقت الحاجة ينصرهم ، و » من نصير «يجوز أن يكون فاعلاً بالجار لاعتماده وأن يكون مبتدأ مخبراً عنه بالجار قبله{[45493]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.