اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ} (22)

قوله تعالى : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } أي تستخفون عند الإقدام على الأعمال القبيحة . وقال مجاهد تتقون ، وقال قتادة : تظنون{[48728]} . قوله { أَن يَشْهَدَ } يجوز فيه أوجه :

أحدهما : من أن يشهد{[48729]} .

الثاني : خيفة أن يشهد .

الثالث : لأجل أن يشهد وكلاهما بمعنى المفعول له{[48730]} .

الرابع : عن أن يشهد أي ما كنتم تمتنعون{[48731]} ولا يمكنكم الاختفاء عن أعضائكم والاستتار عنها .

الخامس : أنه ضمن معنى الظن{[48732]} وفيه بعد .

فصل

معنى الكلام أنهم كانوا يستترون عند الإقدام على الأعمال القبيحة ؛ لأن استتارهم ما كان لأجل قولهم من أن يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم لأنهم كانوا منكرين للبعث والقيامة ، وذلك الاستتار لأجل أنهم كانوا يظنون أن الله لا يعلم الأعمال التي يخفونها . وريَ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت مستتراً بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر ثقفيان وقرشيّ أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم ، قليل فقه قلوبهم ، مفقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا ، وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا سمع إذا أخفينا . فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ . . . } الآية{[48733]} . قيل : الثقفي عبد{[48734]} ياليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية .


[48728]:البغوي السابق والقرطبي 15/352.
[48729]:قاله العكبري في التبيان 1125 قال: لأن "تستتر" لا يتعدى بنفسه.
[48730]:البحر المحيط 7/493، البغوي 4/729.
[48731]:هذا رأي ابن الأنباري في البيان 2/339.
[48732]:نقله السمين في الدر المصون 4/729 نقلا عن أبي حيان في بحره فقد قال في البحر: "وعبر قتادة عن تستترون بتظنون أي وما كنتم تظنون أن يشهدوا" المرجع السابق 7/493.
[48733]:ذكره السيوطي في أسباب النزول 2/149 وانظر أيضا معالم التنزيل للبغوي 6/109، ولباب التأويل للإمام الخازن 6/109 أيضا.
[48734]:هو عبد بن يا ليل بن ناشب بن غيرة الليثي من بني سعد بن ليث شهد بدرا وتوفي في آخر خلافة عمر وكان شيخا كبيرا انظر أسد الغابة 3/334.