قوله تعالى : { إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا } الآية . لما ذكر الوعيد أردفه بذكر الوعد كما هو الغالب . واعلم أن «ثُمَّ » لتراخي الرتبة في الفضيلة{[48808]} سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة فقال : أن لا تشرك بالله شيئاً . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ، ولا تروغَ رَوَغَات الثَّعْلَب . وقال عثمان رضي الله عنه أخلصوا العمل . وقال علي رضي الله عنه أدَّوا الفرائض . وقال ابن عباس رضي الله عنه استقاموا على أداء الفرائض . وقال الحسن ( رضي{[48809]} الله عنه ) استقاموا على أمر الله بطاعته واجتنبوا معصيته . وقال مجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله . وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال : اللَّهُمَّ فَارْزُقْنَا الاستقامة .
قوله : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة } قال ابن عباس ( رضي الله{[48810]} عنهما ) عند الموت . وقال مقاتل وقتادة : إذا قاموا من قبورهم . وقال وكيع بن الجرَّاح{[48811]} : البشرى تكون في ثلاثة مواطن ، عند الموت وفي القبر وعند البعث{[48812]} .
قوله : { أَلاَّ تَخَافُواْ } يجوز في «أن » أن تكون المخففة ، أو المفسِّرة{[48813]} ، أو الناصبة{[48814]} و «لا » ناهية على الوجهين الأولين ، ونافية على الثالث{[48815]} . وقد تقدم ما في ذلك من الإشكال . فالتقدير بأن لا تخافوا أي بانتفاء الخوف . وقال أبو البقاء : التقدير : بأن لا تخافوا ، أو قائلين أن لا تخافوا فعلى الأول : هو حال ، أي نزلوا بقولهم : لا تخافوا . وعلى الثاني : الحال محذوفة{[48816]} . قال شهاب الدين : يعني أن الباء المقدرة حالية ، فالحال غير محذوفة وعلى الثاني الحال هو القول المقدر وفيه تسامح ، وإلا فالحال محذوفة في الموضعين ، وكما قام المقول مقام الحال كذلك قام الجار مقامها{[48817]} . وقرأ عبد الله «لا تخافوا »{[48818]} بإسقاط «أن » وذلك على إضمار القول ، أي : يقولون لا تخافوا .
{ ألا تخافوا } من الموت . قال مجاهد : لا تخافون على ما تَقْدَمُونَ عليه من أمر الآخرة ولا تحزنوا على ما خلَّفتم من أهل وولد ، فإنا نخلفكم في ذلك كله .
وقال عطاء ابن أبي رباح : لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم{[48819]} .
قوله : { وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } .
فإن قيل : البشارة عبارةٌ عن الخبر الأول بحصول المنافع ، فأما إذا أخبر الرجل بحصول المنفعة ثم أخبر ثانياً بحصولها كان الإخبار الثاني إخباراً ولا يكون بشارةً ، والمؤمن قد يسمع بشارات الخير ، فإذا سمع المؤمن هذا الخبَر من الملائكة وجب أن يكون هذا إخباراً ولا يكون بشارة ، فما السَّبب في تسمية هذا الخبر بشارة ؟
فالجواب : أن المؤمن قد يسمع بشارات الخير ، ( فإذا{[48820]} سمع المؤمن هذا الخبر من الملائكة وجب أن يكون هذا إخباراً ولا يكون بشارة ! قلنا : المؤمن يسمع أن من كان مؤمناً تقِيًّا ) كان له الجنة أما إذا لم ( يسمع ){[48821]} ألبتة أنه من أهل الجنة فإذا سمع هذا الكلام من الملائكة كان أخباراً بنفع عظيم مع أنه هو الخبر الأول فكان ذلك بشارة .
واعلم أن هذا الكلام يدل على أن المؤمن عند الموت وفي القبر وعند البعث ( لا ){[48822]} يكون فازعاً من الأهوال ومن الفزع الشديد ( بل يكون{[48823]} آمن الصدر لأن قوله : { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } يفيد نفي الخوف ، والحزن على الإطلاق ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.