ثم تَرَقَّى من تلك الدرجة إلى درجة أخرى ، وهي أن الدعوة إلى الله تعالى أعظم الدرجات ، ثم كأن سائلاً ( سأل{[48842]} ف ) قال : إن الدعوة إلى الله ، وإن كانت طاعةً عظيمةً ، إلا أنَّ الصبر على سفاهة الكفَّار شديدةً فذكر الله تعالى ما يصلحُ لأن يكون دافعاً لهذا الإشكال فقال : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } .
والمراد بالحسنة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدين الحق ، والصبر على جهالة الكفار ، وترك الانتقام وترك الالتفات إليهم ؛ والمراد بالسيئة ما أظهروا من الجلافة في قولهم : «قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ » وقوله : { لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ } [ فصلت : 26 ] فكأنه قال : يا محمد فعلُك حسنة ، وفعلُهم سيئة ، ولا تستوي الحسنة ( ولا{[48843]} السيئة ) أنت{[48844]} إذا أتيت بهذه الحسنة استوجبت التعظيم في الدنيا والثواب في الآخرة ، وهم بالضِّدِّ من ذلك ، فلا ينبغي أن يكون إقدامهم على تلك السيئة مانعاً لك من الاشتغال بهذه الحسنة . ثم قال { ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ } يعني ادفع سفاهتهم وجهالتهم بالطريق التي هي أحسن الطُّرق{[48845]} . قال ابن عباس رضي الله عنهما أمر بالصبر عند الغضب{[48846]} ، وبالحِلْم عند الجهل ، وبالعفو عند الإساءة . والمعنى أنك إذا صبرت على سوء أخلاقهم مرةً بعند أخرى ولم تقابل سفاهتهم بالغضب استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا أفعالهم القبيحة ، وانقلبوا من العداوة إلى المحبة ، ومن البغضاء إلى المودَّة فقال : { فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ } يعني إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك { كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } أي كالصديق القريب ، قال مقاتل بن حيَّان : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وذلك لأنه لان للمسلمين شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم أسلم فصار وليًّا بالإسلام وحميماً بالقرابة{[48847]} .
قوله : { كأنه ولي } في هذه الجملة التَّشبيهيَّة وجهان :
أحدهما : أنها في محل نصب على الحال ، والموصول متبدأ ، و «إذا » التي{[48848]} للمفاجأة خبره والعامل في هذا الظرف من الاستقرار هو العامل في هذا الحال . ومحطُّ الفائدة في هذا الكلام ( هي{[48849]} الحال والتقدير : فبالحضرة المعادي مشبهاً القريب الشفوق .
والثاني : أن الموصول مبتدأ ) أيضاً ، والجملة بعد خبره ، و «إذَا » معمولة لمعنى التشبيه والظرف يتقدم على عامله المعنوي . هذا إن قيل : إنها ظرف .
فإن قيل : إنَّها حرف فلا عامل{[48842]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.