اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

ثم تَرَقَّى من تلك الدرجة إلى درجة أخرى ، وهي أن الدعوة إلى الله تعالى أعظم الدرجات ، ثم كأن سائلاً ( سأل{[48842]} ف ) قال : إن الدعوة إلى الله ، وإن كانت طاعةً عظيمةً ، إلا أنَّ الصبر على سفاهة الكفَّار شديدةً فذكر الله تعالى ما يصلحُ لأن يكون دافعاً لهذا الإشكال فقال : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } .

والمراد بالحسنة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدين الحق ، والصبر على جهالة الكفار ، وترك الانتقام وترك الالتفات إليهم ؛ والمراد بالسيئة ما أظهروا من الجلافة في قولهم : «قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ » وقوله : { لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ } [ فصلت : 26 ] فكأنه قال : يا محمد فعلُك حسنة ، وفعلُهم سيئة ، ولا تستوي الحسنة ( ولا{[48843]} السيئة ) أنت{[48844]} إذا أتيت بهذه الحسنة استوجبت التعظيم في الدنيا والثواب في الآخرة ، وهم بالضِّدِّ من ذلك ، فلا ينبغي أن يكون إقدامهم على تلك السيئة مانعاً لك من الاشتغال بهذه الحسنة . ثم قال { ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ } يعني ادفع سفاهتهم وجهالتهم بالطريق التي هي أحسن الطُّرق{[48845]} . قال ابن عباس رضي الله عنهما أمر بالصبر عند الغضب{[48846]} ، وبالحِلْم عند الجهل ، وبالعفو عند الإساءة . والمعنى أنك إذا صبرت على سوء أخلاقهم مرةً بعند أخرى ولم تقابل سفاهتهم بالغضب استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا أفعالهم القبيحة ، وانقلبوا من العداوة إلى المحبة ، ومن البغضاء إلى المودَّة فقال : { فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ } يعني إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك { كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } أي كالصديق القريب ، قال مقاتل بن حيَّان : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وذلك لأنه لان للمسلمين شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم أسلم فصار وليًّا بالإسلام وحميماً بالقرابة{[48847]} .

قوله : { كأنه ولي } في هذه الجملة التَّشبيهيَّة وجهان :

أحدهما : أنها في محل نصب على الحال ، والموصول متبدأ ، و «إذا » التي{[48848]} للمفاجأة خبره والعامل في هذا الظرف من الاستقرار هو العامل في هذا الحال . ومحطُّ الفائدة في هذا الكلام ( هي{[48849]} الحال والتقدير : فبالحضرة المعادي مشبهاً القريب الشفوق .

والثاني : أن الموصول مبتدأ ) أيضاً ، والجملة بعد خبره ، و «إذَا » معمولة لمعنى التشبيه والظرف يتقدم على عامله المعنوي . هذا إن قيل : إنها ظرف .

فإن قيل : إنَّها حرف فلا عامل{[48842]} .


[48842]:المرجعين السابقين.
[48843]:زيادة من أ.
[48844]:في الرازي بمعنى أنك إذا أتيت.
[48845]:انظر الرازي 27/127.
[48846]:البغوي 6/112.
[48847]:السابق.
[48848]:كذا في الدر المصون وفي النسختين "الذي" وكلا اللفظين صحيحان وقد أخذ المؤلف هذين الوجهين عن الدر المصون عن أبي البقاء العكبري في التبيان 1137.
[48849]:ما بين القوسين كله سقط من أ بسبب انتقال النظر.