اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡفُلۡكِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مَا تَرۡكَبُونَ} (12)

قوله تعالى : { والذي خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا } ، قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) الأزواج الضروب والأنواع كالحُلو والحَامِض والأبيض والأسود والذكر والأنثى .

وقال بعض المحققين : كل ما سوى الله فهو زَوْج ، كالفَوْق ، والتَحْتِ ، واليَمِين ، واليَسَار ، والقُدَّام والخَلْفِ ، والمَاضِي ، والمُسْتَقْبَل ، والذَّواتِ والصِّفاتِ ، والصيفِ ، والشِّتاء ، والربيعِ والخريفِ . وكونها أزواجاً يدل على أنها ممكنة الوجود في ذواتها محدثةً مسبوقةٌ بالعدم ، فأما الحق تعالى فهو المفرد المنزه عن الضِّدِّ والنِّدِّ ، والمقابل ، والمعاضِد ، فلهذا قال تعالى : { والذي خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا } أي كل ما هو زوج فهو مخلوق ، فدل هذا على أن خالقها فرد مطلق منزه عن الزوجية .

قال ابن الخطيب : وأيضاً علماء الحساب بينوا أن المفرد{[49634]} أفضل من الزوج لوجوه :

الأول : أن الاثنين لا توجد إلا عند حصول وَحْدَتَيْنِ ، فالزوج مُحْتَاجٌ{[49635]} إلى الفرد ، والفرد هو الوحدة وهي غنية عن الزوج والغني أفضل من المحتاج .

الثاني : أن الزوج يقبل القسمة بقسمين مُتَسَاوِيَيْنِ والفرد لا يقبل القسمة ، وقبول القسمة انفعال وتأثر وعدم قبولها قوة وشدة ، فكان الفرد أفضل من الزوج .

( ثم ذكر وجوهاً{[49636]} أُخَرَ{[49637]} تدل على أن الفرد أفضل من الزوج ) وإذا كان كذلك ثبت أن الأزواج ممكناتٌ ومحدَثاتٌ ومَخْلُوقَاتٌ وأن الفردَ هو القائم بذاته المستقلّ بنفسه ، الغني عَمَّا سِوَاهُ .

قوله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ } ما موصولة وعائدها محذوف ، أي ما تَرْكَبُونَهُ ، وركب بالنسبة ( إلى الفلك ){[49638]} يتعدى بحرف الجر : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك } [ العنكبوت : 65 ] وفي غيره بنفسه ، قال : { لِتَرْكَبُوهَا } [ النحل : 8 ] فغلب هنا المتعدي بنفسه على المتعدي بواسطة ، فلذلك حذف العائد{[49639]} .

فصل

السَّفَرُ إما أن يكون في البحر ، وإما أن يكون في البرِّ ، فأما سفر البحر فعلى السفينة ، وأما سفر البر فعلى الأنعام .

فإن قيل : لِمَ لَمْ يقل على ظهورها ؟

فالجواب من وجوه :

الأول : قال أبو عبيدة التذكير لقوله{[49640]} : «مَا تَرْكَبُونَ »{[49641]} و التقدير : ما تركبونه ، فالضمير يعود على لفظ «ما » فلذلك أَفْرَدَهُ .

الثاني : قال الفراء : أضاف الظهر إلى واحد فيه معنى الجمع بمنزلة الجنس ، فلذلك ذَكَّرَهُ ، وجمع الظهور باعتبار معناها{[49642]} .

الثالث : أن التأنيث فيها ليس حقيقاً ، فجاز أن يختلف اللفظ فيه ، كما يقال : عِنْدِي مِنَ النِّسَاء مَنْ يُوَافِقُكَ{[49643]} .


[49634]:كذا هي في أ وما في الرازي وب الفرد.
[49635]:في الرازي: يحتاج.
[49636]:ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
[49637]:انظرها في تفسيره 27/197 و198 وانظر كل ما سبق في التفسير 27/197 و198.
[49638]:سقط من ب.
[49639]:قاله في الكشاف معنى 3/479، وفي الدر المصون لفظا 4/474.
[49640]:في ب بقوله.
[49641]:نقله في مجاز القرآن 2/202.
[49642]:ينظر معاني القرآن له 3/28 و29.
[49643]:قاله الرازي في تفسيره الكبير 27/198، 199.