قوله : «لِتَسْتَوُوا » يجوز أن تكون هذه لام العلة ، وهو الظاهر{[49644]} وأن تكون للصيرورة فتتعلق في كليهما ب «جَعَل »{[49645]} . وجوز ابن عطية : أن تكون للأمر{[49646]} ، وفيه بعد ، لقلة دخولها على أمر المخاطب .
وقرئ شاذاً : فَلْتَفْرَحُوا{[49647]} وفي الحديث : «لِتَأْخُذُوا مَصَافَّكُمْ »{[49648]} وقال :
4392 لِتَقُمْ أَنْتَ يَا ابْنَ خَيْرِ قُرَيْشٍ *** فَتَقْضِي حَوَائِجَ المُسْلِمِينَا{[49649]}
نص النحويون على قلتها عدا أَبَا القَاسم الزَّجَّاجِيِّ{[49650]} ، فإنه جعلها لغة{[49651]} جيدة{[49652]} .
قوله : { ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ } أي تذكرونها في قلوبكم ، وذلك الذكر هو أن يَعْرِف أن الله تعالى خلق البحر وخلق الرياح ، وخلق جُرْمَ السفينة على وجه يُمْكِنُ الإنسان من تصريف هذه السفينة إلى أي جانب شاء ، فإذا تذكر أن خلق البحر ، وخلق الرياح ، وخلق السفينة على هذه الوجوه القابلة لتصرف الإنسان ولتحريكاته ، إنما هو من تدبير الحكيم العليم القدير ، عرف أن ذلك نعمة من الله تعالى ، فيَحْمِلُهُ ذلك على الانقياد لطاعة الله تعالى ، وعلى الاشتغال بالشكر ، لنعم الله التي نهاية لها .
قوله : { سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } مطيقين{[49653]} وقيل : ضابطين{[49654]} .
واعلم أنه تعالى عين ذكراً لركوب السفينة والدابة ، وهو قوله : { سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا } وذكر دخول المنازل : { رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين } [ المؤمنون : 29 ] وتحقيقه أن الدابة المركوبة لا بدّ أن تكون أكثرَ قوة من الإنسان بكثير ، وليس لها عقل يهديها إلى طاعة الإنسان ، ولكنه تعالى خلق تلك البهيمة على وجوه مخصوصة في خلقها الظاهر ، وخلقها الباطن ، فحصل منها هذا لانتفاع . أما خَلْقُها الظاهر ، فلأنها تَمْشِي على أربَعٍ ، وكان ظهرها يحسن لاستقرار الإنسان وأما خلقها الباطن فلأنها مع قوتها الشديدة قد صيّرها الله تعالى مُنْقَادةً للإنسان ، ومسخّرة له ، فَإذا تأمل الإنسان في هذه العجائب عَظُمَ تعجبه من تلك القدرة ، والحكمة التي لا نِهاية لها ، فلا بدّ وأن يقول : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين{[49655]} .
قوله : «( لَهُ ){[49656]} مُقِرْنِينَ » ، «له » متعلق «بمقرنين » ، وقدم الفواصل . والمُقْرِنُ : المُطيقُ للشيء الضابط له من : أَقْرَنَهُ : أي أَطَاقَهُ . قال الواحدي : كأن اشتقاقه من قولك : صِرْتُ له قِرْناً ، ومعنى قِرْن فُلاَنٍ ، أي مثلُهُ في الشِّدة{[49657]} .
وقال أبو عبيدة : قِرْنٌ لفلانٍ أي ضابط له{[49658]} . والقَرْنُ الحَبْلُ{[49659]} ، وقال ابن هَرْمَةَ :
4393 وَأقْرَنْتُ مَا حَمَّلِتْنِي وَلَقَلَّمَا *** يُطَاقُ احْتِمَالُ الصَّدِّ يَا دَعْدُ والهَجْرُ{[49660]}
4394 لَقَدْ عَلِمَ القَبَائِلُ مَا عُقَيْلٌ *** لَنَا فِي النَّائِبَاتِ بِمُقْرِنِينَا{[49661]}
وحقيقة أقْرَنَهُ : وجده قَرِينهُ ؛ لأن القوي لا يكون قرينه الضعيف{[49662]} ، قال ( رحمه الله ){[49663]} :
4395 وابنُ اللَّبُون إذَا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ *** لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعِيسِ{[49664]}
وقرئ : مُقْتَرِنِينَ بالتاء قبل الراء{[49665]} .
ومعنى الآية ليس عندنا من القوة والطاعة أن نقرن هذه الدابة والفلك ، وأن نضبطها فسُبْحانَ مَنْ سَخَّر لنا هذا بقدرته وحكمته{[49666]} ، روى الزمخشريّ عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا وضع رِجْلَهُ في الركاب ، قال : بِسْم اللهِ ، فإذا استوى على الدَّابَّةِ قال : الحَمْدُ لله على كل حال ، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين . وَإنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ »{[49667]} .
وروى عن عليٍّ أيضاً مثله وزاد : ثم حمَّد ثلاثاً ، وكبَّر ثلاثاً ، ثم قال : لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم ضحك ، فقيل : مما تضحك يا أمير المؤمنين ؟ قال : «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ما فعلتُ ، فقلنا : ما يضحكك يا نبيَّ الله ؟ قال : العبدُ إذا قال لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي ، إنه لا يفغر الذنوب إلا أنت بعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هُوَ »{[49668]} .
دلت هذه الآية على خلاف قول المُجَبِّرة من وجوه :
الأول : أنه تعالى قال : «لِتَسْتَوُوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتكم عليه » فذكره بلام «كَيْ » وهذا يدل على أنه أراد منا هذا الفعل وهذا يدل على بطلان قولهم : إنه تعالى أراد الكفر منه .
الثاني : قوله «لتستوو » يدل على أن فعله معلّل بالأغراض .
الثالث : أنه تعالى بين أن خلق هذه الحيوانات على هذه الطبائع إنما كان لغرض أن يصدر الشكر عن العبد ولو كان فعل العبد فعلاً لله لكان معنى الآية إني خلقت هذه الحيوانات على هذه الطبائع لأجل أن{[49669]} أَخْلُقَ سُبْحَانَ الله في لسان العبد . وهذا باطل ؛ لأنه تعالى قادر على أن يخلق هذا اللفظ في لسانه بدون هذه الوَسَائِطِ{[49670]} .
قال ابن الخطيب : «الكلام على هذه الوجوه معلوم مما تقدم فلا فائدة في الإعادة »{[49671]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.