قوله : { وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً } جعلوا أي حكموا به{[49709]} .
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر : «عِنْدَ الرَّحْمَن » ظرفاً{[49710]} ويؤيده قوله : { إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ } [ الأعراف : 206 ] والباقون «عباد » جمع عَبْد والرسم يحتملها . وقرأ الأعمش كذلك ، إلا أنه نصب «عباد » على إضمار فِعْل ، أي الذين هم خُلِقُوا عِبَاداً ونحوه{[49711]} وقرأ عبد الله وكذلك هي في مصحفه الملائكة عبادَ الرحمن{[49712]} وأبي عبد الرحمن بالإفراد{[49713]} ، وإناثاً هو المفعول الثاني للجَعْلِ بمعنى الاعتقاد أو التصيير القولي . وقرأ زَيْدُ بْنُ عِليّ : أُنُثاً جمعُ الجَمْعِ{[49714]} .
قوله : «أَشَهِدُوا » قرأ نافع بهمزة مفتوحة ، ثم بأخرى مضمومة مُسَهَّلةٍ بينها وبين الواو وسكون الشين على ما لم يسمّ فاعله أي أحَضَرُوا خَلْقَهُمْ حين خلقوا ، كقوله : { أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ }{[49715]} [ الصافات : 150 ] . وهذا استفهام على سبيل الإنكار . وقرأ قالون ذلك بالمد يعني بإدخَال ألِفٍ بين الهمزتين ، والقصر يعني بعدم الألف . الباقون بفتح الشين بعد همزة واحدة{[49716]} . فنافع أدخل همزة للتوبيخ على «أَشَهِدُوا » فعلاً رباعياً مَبْنيًّا للمفعول فسهّل همزته الثانية وأدخل ألفاً بينهما كراهة لاجتماعهما ، وتارة لم يدخلها اكتفاء بتسهيل الثانية وهي أَوْجَهُ{[49717]} . والباقون أدخلوا همزة الإنكار على «شَهِدُوا » ثلاثياً{[49718]} . ولم ينقل أبو حيان عن نافع تسهيلَ الثانية . بل نقله عن عليِّ بْنِ أبي طالبٍ{[49719]} .
وقرأ الزهري أُشْهِدُوا رباعياً مبنياً للمفعول{[49720]} وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون حذف الهمزة لدلالة القراءة الأخرى عليها ، كما تقدم في قراءة أَعْجَميٌّ .
والثاني : أن تكون الجملة خبرية ، وقعت صفة لإناثاً ، أي أجَعَلُوهُمْ إنَاثاً مَشْهُوداً{[49721]} خَلْقَهُمْ كذلك .
قوله : { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ } قرأ العام ستُكْتَب بالتاء من فوق مبنياً للمفعول «شهادتهم » بالرفع لقيامه مقام الفاعل ؟ وقرأ الحسن : شَهَادَاتُهُمْ بالجَمْع{[49722]} ، والزُّهْريُّ : سَيَكْتُبُ بالياء من تحت{[49723]} وهو{[49724]} في الباقي كالعامة . وابن عباس وزيدُ بْنُ عليّ وأبو جعفر وأبو حَيْوَةَ سَنَكْتُبُ بنون العظمة{[49725]} شَهَادَتَهُمْ بالنصب مفعولاً به .
المعنى سنكتب شهادتهم على الملائكة أنهم بنات الله ويسألون عنها . قال الكلبي ومقاتل : لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما يُدْرِيكُمْ أنهم إناث ؟ قالوا : سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لَمْ يُكَذِّبُوا فقال الله تعالى : { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } عنها في الآخرة وهذا يدل على أن القول بغير دليل منكر ، وأن التقليد حرام يوجب الذم العظيم ، والعقاب الشديد .
قال المحققون : هؤلاء الكفار كفروا في هذا القول من ثلاثة أوجه :
وثالثها : الحكم على هؤلاء الملائكة بالأنوثة{[49726]} .
احتج من قال بتفضيل الملائكة على البشر بهذه القراءات ، أما قراءة «عِنْدَ » بالنون ، فهذه العندية لا شك أنها عندية الفضل والقرب من الله تعالى بسبب الطاعة ولفظة «هُمْ » يوجب الحصر والمعنى أنهم هم الموصوفون بهذه العندية لا غيرهم ، فوجب كونهم أفضل من غيرهم ، رعاية للفظ الدال على الحَصْرِ{[49727]} .
وأما قراءة عِبَاد جمع «العَبْد » فقد تقدم أن لفظ العباد في القرآن مخصوصٌ بالمؤمنين ، فقوله «عِبَاد الرَّحْمَنِ » يفيد حَصْرَ العُبُودِيَّة فيهم ، فَإذَا كَانَ اللَّفظُ الدّالُ على العُبُوديَّة دالاً على حصر الفضل والقرب والشرف لهم وجب كونهم أفضل ؛ والله أعلم{[49728]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.