ثم بين ذلك بقوله : { هَا أَنتُمْ هؤلاء } قد طلبت منكم اليسير فيحكم فكيف لو طلبت منك الكل{[51561]} ؟
قوله : { هَا أَنتُمْ هؤلاء } ( قال الزمخشري{[51562]} : هؤلاء ) موصول{[51563]} صلته «تدعون » أي أنتم الذين تدعون أو أنتم يا مخاطَبُون هؤلاء المؤمنون . ثم استأنف وصفهم كأنهم قالوا : وما وَصْفُنَا ؟ فقيل : تُدْعَوْنَ{[51564]} . وقال ابن الخطيب : «هؤلاء » تحتمل وجهينِ :
أحدهما : أن تكون موصولة كأنه قال : أنتم الذين تُدْعَوْنَ لتنفقوا في سبيل الله .
وثانيهما : هؤلاء وحدها خبر «أنتم » كما يقال : أنت ( أنت{[51565]} و ) أنت هذا تحقيقاً لشهرة والظهور أي ظهور أثركم بحيث لا حاجة إلى الإخبار عنكم بأمْر مغاير{[51566]} . وقد تقدم الكلام على قوله : { هَا أَنتُمْ هؤلاء } مُشْبَعاً في آلِ عِمْرَانَ{[51567]} .
وقوله : «تُدْعَوْنَ » أي إلى الإنفاق إما في سبيل الله بالجهاد وإما صرفه إلى المستحقين من إخوانكم . قوله : { فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } بما فرض عليه من الزكاة { وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } أي إن ضرر ذلك البخل عائد إليه فلا تظنوا أنهم ينفقون على غيرهم بل لا ينفقونه إلا على أنفسهم فإن من يبخل بأجرة ( الطّبيب ){[51568]} وثمن الدواء وهو مريضٌ فلا يبخل إلا على نفسه ثم حقق ذلك بقوله : { والله الغني } أي غير محتاج إلى مالكم وأتمه بقوله : { وَأَنتُمُ الفقراء } إليه وإلى ما عنده من الخير حتى لا تقولوا بأنا أغنياء عن القتال ودفع حاجة الفقراء{[51569]} .
قوله : { يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } بَخِلَ وضنَّ يتعديان ب «عَلَى » تارةً وب «عَنْ » أخرى{[51570]} .
والأجود أن يكون{[51571]} حال تعديهما ب «عَنْ » مُضَمَّنَيْن معنى الإمساك .
قوله : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } هذه الجملة ( الجملة الشرطية{[51572]} عطف على ) الشرطية قبلها . و«ثُمَّ لاَ يَكُونُوا » عطف على «يَسْتَبْدِلْ »{[51573]} .
ذكر بيان الاستغفار كما قال تعالى : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } [ فاطر : 16 ] قال المفسرون : إن تَتَوَلَّوْا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم بل يكونوا أمثل منكم وأطوع لله منكم . قال الكلبي : هم كِنْدَةُ والنَّخْعُ .
وقال الحسن : هم العجم . وقال عكرمة : فارس ( والروم ){[51574]} لما روى أبو هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم } قال يا رسول الله : من هؤلاء الذين إن تولينا اسْتُبْدِلُوا بنا ، ثم لا يكونوا أمثالنا ؟ فضرب على فَخدِ سَلْمَانَ الفَارسيِّ ثم قال : هذا وقومه ولو كان الدين عند الثُّرَيَّا لتناوله ورجالٌ من الفرس . وقيل : هم قوم من الأنْصارِ »{[51575]} .
قال ابن الخطيب : ههنا مسألة ، وهي أن النُّحَاةَ قالوا : يجوز في المعطوف على جواب الشرط «بالواو والفاء وثُمَّ » الجزم والرفع ، تقول : إنْ تَأتِنِي آتِكَ فَأُخْبِرُكَ{[51576]} بالجزم والرفع جميعاً ، قال الله تعالى ههنا { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } وقال { ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم } بالجزم{[51577]} وقال في موضع آخر :
{ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأدبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ }{[51578]} [ آل عمران : 111 ] بالرفع ، لإثبات النون . وفيه تدقيق : وهو أن قوله : «لاَ يَكُونُوا » متعلق بالتولي{[51579]} ؛ لأنهم إن لم يَتَوَلَّوْا يَكُونوا{[51580]} مثلَ من{[51581]} يأتي بهم الله على الطاعة وإن تولوا لا يكونون مثلهم لكونهم عاصين وكون من يأتي بهم مطيعين . وأما هناك سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون ، فلم يكن التعلق{[51582]} هناك بما وقع بالابتداء وهنا جزم . وقوله : { يكونوا أَمْثَالَكُم } في الوصف لا في الجنس{[51583]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.