اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

قوله : { فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم } يجوز جزم «تَدْعُوا » عطفاً على فعل النهي ونصبه بإضمار أن في جواب النهي . وقرأ أبو عبد الرحمن : بتشديد الدال{[51538]} فقال الزمخشري : مِن ادَّعَى القَوْمُ وتَدَاعَوْا مثل ارْتَمَوا الصَّيَد ، وتَرَامَوْا{[51539]} . وقال غيره : بمعنى تغتروا . وتقدم الخلاف في السِّلْمِ{[51540]} .

فصل

لما بين أن عمل الكافر الذي له صورة الحسنات يحبط وذنبه الذي هو أقبح السيئات غير مغفور وأمر بطاعة الله وطاعة الرسول أمر بالقتال فقال : «فَلاَ تَهِنُوا » أي لا تَضْعُفُوا بعدما وجد السبب وهو الأمر بالجِدِّ والاجتهاد في القتال فقال : { فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم } أي إلى الصلح ابتداء فمنع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا .

قوله : { وَأَنتُمُ الأعلون } جملة حالية ، وكذلك { والله مَعَكُمْ } وأصل الأَعْلونَ الأَعْلَيُونَ فَأُعِلًّ{[51541]} .

قال ابن الخطيب : أصله في الجمع الموافق أَعْلَيُونَ ومُصْطَفَيُونَ فسكنت الياء لكونها حرف علة تحرك ما قبله والواو كانت ساكنة فالتقى ساكنان فلم يكن بُدٌّ من حذف أحَدِهِما وتحريك الآخر والتحريك كان قد ثبت في المحذور{[51542]} الذي اجتنب منه فوجب الحذف{[51543]} {[51544]} والواو فيه كانت لمعنى لا يستفاد إلاَّ منها وهو الجمع فأسقطت الياء وبقي أَعْلَوْنَ .

وبهذا الدليل صار في الجرِّ أَعْلَيْنَ ومُصْطَفَيْنَ . ومعنى الأعلون الغالبون قال الكلبي : أخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات { والله مَعَكُمْ } بالعَوْنِ والنُّصْرَةِ .

قوله : { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أي ينقصكم أو يفردكم عنها ، فهو من وَتَرْتُ الرَّجُلَ إذا قتلت له قتيلاً أو نَهَبْتَ مَالَهُ . أو من الوتْر وهو{[51545]} الانفْراد{[51546]} . وقيل : كلا المعنيين يرجع إلى الإفْراد ، لأن من قُتَل له قتيل ، أو نهبَ له مال فقد أفرد عينه فمعنى : «لن يتركم أعمالكم » لَنْ يَنْقُصكُمْ شيئاً من ثواب أعمالكم يقال : وَتَرَه يَتِرُهُ وَتْراً وترَةً إذَا نقصه حَقَّهُ .

قال ابن عباس : ( رضي الله عنهما ) وقتادة والضحاك : لن يَظْلِمَكُمْ أعمالكم الصالحة أن يؤتيكم أجورها .


[51538]:وهي شاذة انظر مختصر ابن خالويه 141، والكشاف 3/531 وانظر الإعراب فيه أيضا.
[51539]:الكشاف السابق.
[51540]:في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} 208 من البقرة.
[51541]:استثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمع ساكنان لام الكلمة وواو الجماعة فحذفت اللام ـ وهي ياء الكلمة ـ ففيه إعلال بالحذف.
[51542]:في النسختين المحذوف.
[51543]:حذف الياء والواو كانت فيه لمعنى لا يستفاد إلا منها وهو الجمع فأسقطت الياء وبقي "أعلون" وانظر الإمام الرازي 28/73.
[51544]:القرطبي 16/257.
[51545]:في ب وهي.
[51546]:وانظر معاني القرآن للفراء 3/64 واللسان وتر 4758.