قوله تعالى : { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعراب سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ } لما قال للنبي عليه الصلاة والسلام لهم لن تتبعونا ، ولن تخرجوا معي أبداً كان المخلفون جمعاً كثيراً من قبائل متشعبة دعت الحاجة إلى بيان قبول توبتهم ، فإنهم لم يبقوا على ذلك ، ولم يكونوا من الذين مَرَدُوا على النفاق بل منهم من حسن حاله فجعل لقبول توبتهم{[51719]} علامة ( وهو أنهم{[51720]} يدعون إلى قوم أولي بأس شديد ، ويطيعون بخلاف حال ثَعْلَبَةَ ، حيث امتنع من أداء الزكاة ، ثم أتى بها ولم يقبل منه النبي صلى الله عليه وسلم واستمر عليه الحال ، ولم يقبل منه أحد من الصحابة كذلك كان يستمر حال هؤلاء لولا أن الله تعالى بين أنهم يدعون : فإن أطاعوا أعطوا الأجر الحسن .
والفرق بين حال هؤلاء وبين حال ثعلبة من وجهين :
أحدهما : أن ثعلبة يجوز أن يقال حاله لم يكن يتغير في علم الله فلم يبين لتوبته علامة ) وحل الأعراب تغيرت ، فإن بعد النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق من المنافقين على النفاق أحدٌ .
الثاني : أن الحاجة إلى بيان حال الجمع الكثير ، والْجَمِّ الغفير ، أمسّ ؛ لأنه لولا البيان لأفضى الأمر إلى قيام الفتنة بين فِرَق الْمُسْلِمِينَ{[51721]} .
( «فصل »{[51722]}
قال ابن عباس ومجاهد : المراد بقوله { قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ } : هم أصحاب فارس . وقال كعب : الروم وقال الحسن : فارس والروم . وقال سعيد بن جبير : هوازن وثقيف . وقال قتادة : هوازن وغطفان قوم حنين . وقال الزهري ومقاتل وجماعة : هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب . وقال رافع بن خديج : كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم . وقال أبو هريرة : لم تأت هذه الآية بعد ){[51723]} .
قوله : { أَوْ يُسْلِمُونَ } العامة على رفعه بإثبات النون عطفاً على «تُقَاتِلُونَهُمْ » أو على الاستئناف أي أو هُمْ يُسْلِمُونَ{[51724]} . وقرأ أبيّ وزيدُ بن عليٍّ بحذف النون نصباً بحذفها{[51725]} .
والنصب بإضمار «أن » عند جمهور البصريين{[51726]} ، وب «أو » نفسها عند الجَرْمي والكِسَائيِّ{[51727]} ، ويكون قد عطف مصدراً مؤولاً على مصدر متوهم كأنه قيل : يكون قتالٌ أو إسلامٌ . ومثله في النصب قول امرئ القيس :
4491 فَقُلْتُ لَهُ لاَ تَبْكِ عَيْنُكَ إنَّمَا *** نُحَاوِلُ مُلْكاً أَوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرَا{[51728]}
وقال أبو البقاء : أو بمعنى{[51729]} إلاَّ أَنْ ، أو حَتَّى{[51730]} .
( «فصل »{[51731]}
معنى قوله : تقاتلونهم أو يسلمون إشارة إلى أن أحدهما يقع ؛ لأن «أو » تبين المتغايرين وتُنْبِئ عن الحصر ، يقال : العدد زوجٌ أو فردٌ ، ولهذا لا يصح قوله القائل : هذا{[51732]} زيدٌ أو ابن{[51733]} عمرو ؛ إذا كان زيد ابن عمرو ؛ إذا علم هذا فقول القائل : أُلاَزِمُكَ{[51734]} أَوْ تَقضينِي حَقِّي معناه أن الزمان انحصر في قسمين : قسم يكون فيه الملازمة ، وقسم يكون فيه قضاءُ الحق فيكون قوله : «أُلاَزِمُكَ أو تقضيني » ، كقوله : ألازمك إلى أن تقضيني ، لامتداد زمان الملازمة إلى القضاء ){[51735]} .
قوله : { فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ الله أَجْراً حَسَناً } يعني الجنة { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } تُعْرِضُوا { كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ } عام الحديبية { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وهو النار ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.