اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هَٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} (14)

قوله : { يَوْمَ يُدَعُّونَ } يجوز أن يكون ظرفاً «ليُقَالُ » المقدرة مع قوله : { هذه النار } [ الطور : 14 ] يوم يدعون المكذبين{[53107]} ؛ لأن معناه يوم يقع العذابُ ذلك اليوم وهو يوم يُدَعُّون فيه إِلى النار .

والعامة على فتح الدال وتشديد العين من دَعَّهُ يَدُعُّهُ أي دفعه في صدره بعُنْفٍ وشِدَّةٍ . قال الراغب : وأصله أن يقال للعاثر : دع كما يقال له لَعاً{[53108]} .

وهذا بعيد من معنى هذه اللفظة{[53109]} .

وقرأ علي - رضي الله عنه - والسّلمي وأبو رجاء وزيد بن علي بسكون الدال وتخفيف العين مفتوحة{[53110]} من الدُّعَاءِ أي يُدْعَوْنَ إليها فيقال لهم : هَلُمُّوا فادخلوها{[53111]} .

قوله : دَعًّا مصدر معناه تدفعهم الملائكة دفعاً على وجوههم بعُنْفٍ أي يُدْفَعُونَ إِلى النار ، فإِذا دَنَوْا منها قال لهم خزنتها : هَذِهِ النَّار التي كنتم بها تكذبون في الدنيا .

فإن قيل : قوله تعالى : { يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ } يدل على أن خزنتها يقذفونهم في النار وهم بعيداً{[53112]} عنها وقوله تعالى : { يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ } [ القمر : 48 ] يدلّ على أنهم فيها .

فالجواب من وجوه :

الأول : أن الملائكة يَسْحَبُونَهُمْ في النار ، ثم إذا قربوا من نار مخصوصة وهي نار جهنم يقذفونهم فيها من بعيد فيكون السحب في نار ، والدفع في نار أشد وأقوى ، بدليل قوله : { يُسْحَبُونَ فِي الحميم ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ } [ غافر : 71 و72 ] . أي يسحبون في حَمْوَةِ النار ، ثم بعد ذلك يكون لهم إِدخالٌ .

الثاني : يجوز أن يكون في كل زمان يتولى أمرهم ملائكة فإلى{[53113]} النار يدفعهم ملك وفي النار يَسْحَبُهُم آخر .

الثالث : أن يكون السحبُ بسَلاَسِلَ أي يسحبون في النار ، والساحب خارج النار .

الرابع : أن يكون الملائكة يدفعونهم إِلى النار إهانةً لهم ، واستخفافاً بهم ويدخلون معهم النار ويسحبونهم{[53114]} .


[53107]:وهو أحد قولي أبي البقاء في التبيان 1183.
[53108]:نقله الراغب في المفردات "د ع ع" كما نقله ابن منظور في اللسان أيضا "د ع ع". انظر اللسان 1382.
[53109]:فاللفظة هذه المراد منها الدفع، بخلاف تلك.
[53110]:على البناء للمفعول أي يُدعَون إليها كما أوضحه أعلى.
[53111]:كذا أورد هذا القراءة أبو حيان في البحر 8/148 والزمخشري في الكشاف 4/23، بينما سكت عنها أبو الفتح في المحتسب عند التعرض لهذه الصورة وقال ابن خالويه: يوم تُدعون علي والسلمي، فرواها بتاء المضارع لا يائه وعلى كلّ فهي شاذة، وانظر المختصر 145.
[53112]:كذا في النسختين وفي الرازي: بعداء.
[53113]:في (ب) وإلى –بالواو-.
[53114]:بالمعنى من الرازي 28/246.