قوله تعالى : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنوباً } قد تقدم الكلام على الفاء في وجه التعلق{[53033]} . والمراد بالذين ظلموا : كفار مكة . ومعنى ذنوباً أي نصيباً من العذاب { مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } أي مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعادٍ ، وثمود . والذنوب : في الأصل الدلو العظيمة المملوءة ماء ، وفي الحديث الشريف : «فَأُتي بذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ » فإن لم تكن مَلأَى فهو الدَّلْو ، ثم عبر به عن النَّصيب ، قال علقمة :
وَفِي كُلّ حَيٍّ قَدْ خَبَطْتُ بِنِعْمَةٍ *** فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنوبُ{[53034]}
ويجمع في القلة على أَذْنِبَةٍ ، وفي الكثرة على ذَنَائِبَ . وقال المَلكُ{[53035]} لما أنشد هذا البيت نَعَمْ وأَذْنِبَة .
وقال الزمخشري : الذَّنُوب الدلو العظيمة ، وهذا تمثيل أصله في السّقاة يقتسمون{[53036]} الماء فيكون لهذا ذنوب{[53037]} ولهذا ذنوب قال الشاعر :
لَنَا ذَنُوبٌ ولَكُم ذنُوبُ *** فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلَنَا القَلِيبُ{[53038]}
وقال الراغب : الذنوب الدلو الذي له ذنب انتهى{[53039]} . فراعى الاشتقاق . والذنوب أيضاً الفَرَسُ الطّويل الذّنب وهو صفة على فَعُول . والذَّنوب لحم أسفل المَتْن{[53040]} . ويقال : يَوْم ذَنُوب أي طويل الشّر{[53041]} استعارة من ذلك .
قوله : { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } أي بالعذاب . ووجه مناسبة الذنوب أن العذاب منصبّ عليهم كما يُصَبُّ الذَّنُوبُ ، قال تعالى : { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم } [ الحج : 19 ] وقال تعالى : { ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم } [ الدخان : 48 ] والذّنوب كذلك فكأنه قال : نصبّ فوق رؤوسهم ذَنُوباً من العذاب كذنوب صُبّ فوق رؤوس أولئك . ووجه آخر وهو أن العرب يستقون من الآبار على النَّوْبَة ذنوباً فذنوباً وذلك وقت عيْشِهم الطيب ، فكأنه تعالى قال : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } من الدنيا وطيباتها «ذَنُوباً » إذا ملأوه ولا يكون لهم في الآخرة من نصيب كما كان عليه حال أصحابهم استقوا{[53042]} ذنوباً وتركوها ، وعلى هذا فالذنوب ليس بعذاب ولا هلاك وإنما هو رَغَدُ العيش .
قال ابن الخطيب : وهو أليق بالعربية{[53043]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.