قوله : { يَوْمَ تَمُورُ السماء } يجوز أن يكون العامل فيه : «واقع » أي يقع في ذلك اليوم . وعلى هذا فتكون الجملة المنفية معترضة بين العامل{[53078]} ومعموله{[53079]} . ويجوز أن يكون العامل فيه «دافع » . قاله الحَوْفِيُّ{[53080]} ، وأبو البقاء{[53081]} . ومنعه مَكِّيٌّ{[53082]} .
قال أبو حيان : ولم يذكر دليل المنع{[53083]} . قال شهاب الدين : وقد ذكر دليل المنع في الكشف{[53084]} إلا أنه ربما يكون غلطاً عليه فإنه وَهَمٌ ، وعبارته قال : العامل فيه واقعٌ أي إن عذاب ربك لَوَاقِعٌ في{[53085]} يوم تَمُورُ السَّماء ، ولا يعمل فيه «دافع » ؛ لأن المنفي لا يعمل فيما قبل النّافي ، لا يقول : طَعَامَكَ ما زَيْدٌ آكلاً ، رفعت آكلاً أو نصبته أو أدخلت عليه الباء . فإن رفعت الطعام بالابتداء وأوقعت «آكلاً » على «هاء » جاز وما بعد الطعام خبراً{[53086]} . انتهى{[53087]} .
وهذا كلام صحيح في نفسه ، إلا أنه ليس في الآية شيءٌ من ذلك ؛ لأن العامل - وهو دافع - والمعمول - وهو يوم - كلاهما بعد النافي وفي حَيِّزِهِ . وقوله : وأوْقَعْتَ آكلاً على هاء أي على ضمير يعود على الطعام فتقول : طَعَامَكَ مَا زيْدٌ آكِلُه .
وقد يقال : إن وجه المنع من ذلك خوف الوَهَم أنه يفهم أن أحداً يدفع العذاب في غير ذلك اليوم . والغرض أن عذاب الله لا يدفع في كل وقت وهذا أمرٌ مناسب قد ذكر مثلهُ كثيرٌ ، ولذلك منع بعضهم أن ينتصب { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ } [ آل عمران : 30 ] بقوله : { والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران : 29 ] لئلا يفهم منه ما لا يليق . وهذا أبعد من هذا في الوَهَم كثير .
وقال أبو البقاء : وقيل : يجوز أن يكون ظرفاً لما دل عليه{[53088]} «فَوَيْلٌ » انتهى .
وقال ابن الخطيب : والذي أظنه أن العامل هو الفعل المدلول عليه بقوله : { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } ؛ لأن العذاب الواقع على هذا ينبغي أن يقع في ذلك اليوم ، لأن{[53089]} العذاب الذي به التخويف هو الذي بعد الحَشْر ومَوْر السَّماء لأنه في معنى قوله : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا }{[53090]} [ غافر : 85 ] .
والمَوْرُ الاضطراب والحركة . يقال : مَارَ الشيْءُ أي ذهب وجاء . وقال الأخفش{[53091]} وأبو عبيدةَ تَكْفَأُ{[53092]} وأنشد للأعشى :
كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا *** مَوْرُ السَّحَابَةِ لاَ رَيْثٌ وَلاَ عَجَلُ{[53093]}
وقال الزمخشري : وقيل : هو تحرك في تموج . وهو الشيء يتردد في عرض كالداغصة{[53094]} وهي الجلدة التي فوق قُفْل الركبة{[53095]} . وقال الراغب : المَوْر : الجريان السريع ومَار الدَّمُ على وجهه والمُور - أي بالضم - التراب المتردد به الريح{[53096]} .
وأكد بالمصدرية دفعاً للمجاز أي هذان الجرمان العظيمان مع كثافتهما يقع ذلك منهما حقيقة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.