اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوۡرٗا} (9)

قوله : { يَوْمَ تَمُورُ السماء } يجوز أن يكون العامل فيه : «واقع » أي يقع في ذلك اليوم . وعلى هذا فتكون الجملة المنفية معترضة بين العامل{[53078]} ومعموله{[53079]} . ويجوز أن يكون العامل فيه «دافع » . قاله الحَوْفِيُّ{[53080]} ، وأبو البقاء{[53081]} . ومنعه مَكِّيٌّ{[53082]} .

قال أبو حيان : ولم يذكر دليل المنع{[53083]} . قال شهاب الدين : وقد ذكر دليل المنع في الكشف{[53084]} إلا أنه ربما يكون غلطاً عليه فإنه وَهَمٌ ، وعبارته قال : العامل فيه واقعٌ أي إن عذاب ربك لَوَاقِعٌ في{[53085]} يوم تَمُورُ السَّماء ، ولا يعمل فيه «دافع » ؛ لأن المنفي لا يعمل فيما قبل النّافي ، لا يقول : طَعَامَكَ ما زَيْدٌ آكلاً ، رفعت آكلاً أو نصبته أو أدخلت عليه الباء . فإن رفعت الطعام بالابتداء وأوقعت «آكلاً » على «هاء » جاز وما بعد الطعام خبراً{[53086]} . انتهى{[53087]} .

وهذا كلام صحيح في نفسه ، إلا أنه ليس في الآية شيءٌ من ذلك ؛ لأن العامل - وهو دافع - والمعمول - وهو يوم - كلاهما بعد النافي وفي حَيِّزِهِ . وقوله : وأوْقَعْتَ آكلاً على هاء أي على ضمير يعود على الطعام فتقول : طَعَامَكَ مَا زيْدٌ آكِلُه .

وقد يقال : إن وجه المنع من ذلك خوف الوَهَم أنه يفهم أن أحداً يدفع العذاب في غير ذلك اليوم . والغرض أن عذاب الله لا يدفع في كل وقت وهذا أمرٌ مناسب قد ذكر مثلهُ كثيرٌ ، ولذلك منع بعضهم أن ينتصب { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ } [ آل عمران : 30 ] بقوله : { والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران : 29 ] لئلا يفهم منه ما لا يليق . وهذا أبعد من هذا في الوَهَم كثير .

وقال أبو البقاء : وقيل : يجوز أن يكون ظرفاً لما دل عليه{[53088]} «فَوَيْلٌ » انتهى .

وقال ابن الخطيب : والذي أظنه أن العامل هو الفعل المدلول عليه بقوله : { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } ؛ لأن العذاب الواقع على هذا ينبغي أن يقع في ذلك اليوم ، لأن{[53089]} العذاب الذي به التخويف هو الذي بعد الحَشْر ومَوْر السَّماء لأنه في معنى قوله : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا }{[53090]} [ غافر : 85 ] .

فصل

والمَوْرُ الاضطراب والحركة . يقال : مَارَ الشيْءُ أي ذهب وجاء . وقال الأخفش{[53091]} وأبو عبيدةَ تَكْفَأُ{[53092]} وأنشد للأعشى :

كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا *** مَوْرُ السَّحَابَةِ لاَ رَيْثٌ وَلاَ عَجَلُ{[53093]}

وقال الزمخشري : وقيل : هو تحرك في تموج . وهو الشيء يتردد في عرض كالداغصة{[53094]} وهي الجلدة التي فوق قُفْل الركبة{[53095]} . وقال الراغب : المَوْر : الجريان السريع ومَار الدَّمُ على وجهه والمُور - أي بالضم - التراب المتردد به الريح{[53096]} .

وأكد بالمصدرية دفعاً للمجاز أي هذان الجرمان العظيمان مع كثافتهما يقع ذلك منهما حقيقة .


[53078]:وهو واقع.
[53079]:وهو يوم.
[53080]:البحر المحيط 8/147.
[53081]:التبيان 1183.
[53082]:مشكل الإعراب 2/327.
[53083]:بل ذكر الدليل كما سيأتي بعد وانظر قول أبي حيان في البحر 8/147.
[53084]:هذا خطأ. والصحيح المشكل المرجع السابق. ولم يتعرض في الكشف لهذا الكلام على الإطلاق، فلعلّه سهو من الناسخ أو المؤلف.
[53085]:زيادة عما في المشكل.
[53086]:كذا في النسختين وفي المشكل: "خبرة".
[53087]:وانظر مشكل إعراب القرآن لمكّي 2/327.
[53088]:التبيان 1138.
[53089]:في الرازي: لكن.
[53090]:وانظر الرازي بالمعنى من تفسيره 28/242.
[53091]:لم أجده في المعاني له وإنما نقله عنه القرطبي في الجامع 17/63.
[53092]:المجاز له 2/231.
[53093]:من البسيط له كما في الديوان وفيه: مرّ السحابة. وعليه فلا شاهد فيه وهو من قصيدة يمدح فيها يزيد بن مسهر الشيباني، وانظر البحر 8/144 والقرطبي 17/63 وفتح القدير 5/95 ومجمع البيان 9/246 والطبري 27/11 واللسان "مور" والمجاز 2/231. والشاهد: مور فهو بمعنى الكفء. وانظر ديوانه 144.
[53094]:هي النكفة، وقيل: هي عظم مدور يديص ويموج فوق رضف الركبة. وقيل يتحرك على رأس الركبة. وقيل: هي الشحمة التي تحت الجلدة الكائنة فوق الركبة. وانظر اللسان "دغَصَ".
[53095]:وانظر الكشاف 4/23.
[53096]:المفردات له ص 200.