اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} (30)

ذكر في الآية مباحث :

منها : قوله تعالى : { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } . اعلم أن هذه الآية ذكرت في ثلاثة مواضع ذكرها في حكاية نوح بعد بيان العذاب ، وذكرها هنا قبل بيان العذاب ، وذكرها في حكاية عاد قبل بيانه وبعد بيانه ، فحيث ذكر قبل بيان العذاب فَلِلْبَيَانِ كقول العارف بحكايته لغير العارف : هَلْ تَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ أَمْرُ فُلان ؟ وغرضه أن يقول : أخبرني عنه . وحيث ذكرها بعد بيان العذاب ذكرها للتعظيم كقول القائل : ضرب فُلاَنٌ أَيَّ ضَرْب وأيّما ضرب ، وتقول : ضَرَبْتُهُ وكَيْفَ ضَرَبْتُهُ أي قويًّا . وفي حكاية عاد ذكرها مرتين للبيان والاستفهام ومنها في حكاية نوح ذكر الذي للتعظيم ، وفي حكاية ثمود ذكر الذي للبيان ، لأن عذاب قوم نوح كان بأمر عظيم عام وهو الطوفان الذي عم العالم ولا كذلك عذاب قوم ( هود ) فإنه كان مختصاً بهم .

فصل

اعلم أن الله تعالى ذكر في هذه السورة خمس قصص ، وجعل القصة المتوسطة مذكورة على أتمِّ وجه ؛ لأن حال صالح كان أكثر مشابهةً بحال محمد - عليهما الصلاة والسلام - لأنه أتى بأمر عجيب أَرْضِيٍّ ، وكان أعجب مما جاء به للأنبياء ، لأن عيسى عليه الصلاةُ والسَّلاَمُ ، أحيا الميت لكن الميت كان محلاً للحياة فقامت الحياة بإذن الله في محل كان قابلاً لها وموسى - عليه الصلاة والسلام - انقلبت عصاه ثُعْبَاناً فأثبت الله له في الخشب الحياة بإذن الله ؛ لكن الخشبة نبات كان له قوة في النمو فأشبه الحيوان في النمو ، وصالح - عليه الصلاة والسلام - كان الظاهر في يده خروج الناقة من الحجر ، والحجر جماد ، وليس محلاً للحياة ، ولا محلاً للنمو والنبي - عليه الصلاة والسلام - أتى بأعجبَ من الكُلِّ ، وهو التصرف في الجرْم السَّماويِّ الذي يقول المشرك : لا وصول لأحد إلى السماء ، وأما الأرضيات فقالوا : إنها أجسام مشتركة المواد يقبل كلُّ واحد منها صورة الأخرى ، والسماوات لا تقبل ذلك فلما أتى بما اعترفوا بأنه لا يقدر على مثله آدَمِيٌّ كان أتم وأبلغ من معجزة صالح - عليه الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - التي هي أتم من معجزة سَائر الأنبِياء غير محمد - عليه الصَّلاة والسلام {[54101]}- .

/خ30


[54101]:وانظر كل ذلك السابق في تفسير العلامة الرازي 15/56 و53.