اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلۡمُحۡتَظِرِ} (31)

قوله : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً } يريد صيحة جبريل كما تقدم { فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظِر } العامة على كسر الظاء اسم فاعل وهو الذي يتخذه حظيرةً من حَطَب وغيره .

وقرأ أبو السَّمال وأبو حَيْوة وأبو رجاء وعمرُو بن عُبَيْد بفتحها . فقيل : هو مصدر{[54102]} أي كَهَشِيم الاحْتِظَارِ .

وقيل : هو اسم مكان . وقيل : هو اسم مفعول وهو الهَشِيمُ نفسه ، ويكون من باب إضافة الموصوف لصفته كمَسْجِدِ الجَامِعِ . والحَظْر المَنْع ، وقد تقدم تحريره في «سُبْحَانَ »{[54103]} .

فصل

«كان » في قوله «فكانوا » قيل : بمعنى صاروا كقوله :

. . . . . . . . . . . . . . . . . *** كَانَت فِرَاخاً بُيُوضُهَا{[54104]}

أي صارت . والهشيم : المهشوم المكسور ، ومنه سمي هاشِمٌ لهشمه الثَّرِيد في الجفان غير أن الهشيم يستعمل كثيراً في الحطب المتكسر اليابس .

قال المفسرون : كانوا كالخشب المُنْكَسِرِ الذي يخرج من الحظائر بدليل قوله : { هَشِيماً تَذْرُوهُ الرياح } وهو من باب إقامة الصّفة مقَام الموصوف .

وتشبيههم بالهشيم إما لكونهم يابسين كالموتى{[54105]} الذين ماتوا من زمان ، أو لانضمام بعضهم إلى بعض ، كما ينضم الرفقاء عند الخوف يدخل بعضهم في بعض ، فاجتمعوا بعضهم فوق بعض كما يجمع الحاطب الحَطَبَ يصف شيئاً فوق شيء منتظراً حضور من يشتري منه{[54106]} .

ويحتمل أن يكون ذلك لبيان كونهم في الجحيم أي كانوا كالحطب اليابس الذي للوَقِيد كقوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] وقوله : { فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [ الجن : 15 ] .

/خ30


[54102]:ميميّ: وانظر هذه القراءة الشاذة في البحر 8/181 والكشاف 4/40. واختار الزمخشري المكان في تلك القراءة.
[54103]:يقصد سورة الإسراء عند قوله: {وما كان ربك محظورا} من الآية 20. وقد ذكر معنى الحَظر وقال: وكثيرا ما يرِدُ في القرآن ذكر المحظور ويُراد به الحَرام. وانظر اللباب ميكروفيلم.
[54104]:سبق هذا البيت وأتى به هنا دلالة على أن "كان" بمعنى "صار". والبيت لامرئ القيس وتكملته: بتيماءَ قفرٍ والمطيّ كأنها *** قطا الحزن قد طانت فراخا بيوضُها
[54105]:في الرازي: كالحشيش بين الموتى.
[54106]:وقد قال بهذا الفصل الإمام الرازي.