اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ صَبَّحَهُم بُكۡرَةً عَذَابٞ مُّسۡتَقِرّٞ} (38)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً } انصرف «بكرةً » ؛ لأنه نكرة ولو قصد به وقت بعينه امتنع الصرف للتأنيث والتعريف . وهذا كما تقدم في «غَدْوَةٍ »{[54135]} .

ومنعها زيدُ بن عليٍّ الصرف{[54136]} ، ذهب بها إلى وقتٍ بعينه{[54137]} .

قال صاحب المختصر{[54138]} : انتصب بُكْرَة على الظرف أي بكرة من البكر كقوله : { أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } [ الإسراء : 1 ] . قال الزمخشري : والتنكير يدل على أنه كان في بعض الليل وتمسك بقراءة من قرأ : مِنَ اللِّيْلِ{[54139]} . قال ابن الخطيب : وهو غير ظاهر ، والأظهر أن يقال : بأن الوقت المبهم يذكر لبيان أن تَعْيِينَ الوقت ليس بمقصود للمتكلم ، كقوله : خَرَجْنَا فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ مَعَ أن الخروج لا بدّ وأن يكون في بعضِ الأوقات ، وكذلك قوله : «صَبّحَهُمْ بُكْرَةً » أي بكرة من البكر ، و{ أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } أي ليلاً من الليالي{[54140]} .

ومعنى صبحهم قال لهم : عِمُوا صباحاً ، كقوله : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] . والمراد بقوله : بكرة أول أزمنة الصبح . أو انتصب «بُكْرَةً » على المصدر كقولك : ضَرَبْتُهُ سَوْطاً ؛ لأن الضرب يكون بالسَّوْطِ وغيره ، وكذلك الصبح يكون بكرةً وبَعْدَها .

ومعنى «مستقر » أي ثابت عليهم لا يدفعه أحد عنهم ، أو دائم لأنهم انتقلوا منه إلى عذاب الجحيم ، وهو دائم ، أو بمعنى قدر الله عليهم وقوعه ولم يصبهم بطريق الاتفاق وذلك العذاب قلب قريتهم عليهم ، وجعل أعلاها أسْفَلَهَا{[54141]} .


[54135]:وكما تقدم أيضا منذ قليل في (سَحَر). وانظر المشكل لمكي 2/339.
[54136]:وانظر البحر المحيط 8/182.
[54137]:المرجع السابق. وهي شاذّة.
[54138]:لعله المختصر في النحو لأبي جعفر بن سعدان الضرير البغدادي، وقد ترجم لابن سعدان هذا قبل.
[54139]:قال الزمخشري "... وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة: من الليل" وانظر الكشاف 2/436.
[54140]:من كلام للرازي في تفسيره 15/63.
[54141]:للرازي السابق.