اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا تَأۡتِيهِم مِّنۡ ءَايَةٖ مِّنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِمۡ إِلَّا كَانُواْ عَنۡهَا مُعۡرِضِينَ} (4)

" من آية " فاعل زيدت فيه " مِنْ " لوُجُودِ الشرطين{[13196]} ، فلا تَعَلُّقَ لها .

و " من آيات " صفة ل " آية " ، فهي في مَحَلِّ جرٍ على اللَّفْظِ ، أو رفعٍ على الموضع{[13197]} .

وقال الوَاحِدِيِّ{[13198]} : " مِنْ " في قوله : " مِنْ آية " صفةٌ ل " آية " أي : آية لاستغراق الجنْسِ الذي يقع في النَّفْيِِ ، كقولك : ما أتاني من أحدٍ " .

والثانية : في قوله : " من آياتِ رَبِّهِم " للتبعيض .

والمعنى : وما يظهر لهم دَلِيلٌ قط من الدَّلائِل التي يجب فيها النَّظَرُ والاعتبار ، إلاَّ كانوا عنها مُعْرِضينَ ، والمُرادُ بهم أهل " مكة " ، والمرادُ بالآيات : إنْشِقاقُ القمر وغيره .

وقال عطاء : يريد : من آيات القرآن .

قوله : " إلاَّ كَانُوا " هذه الجملة الكَوْنِيَّةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحال ، وفي صاحبها وجهان :

أحدهما أنَّهُ الضميرُ في " تأتيهم " .

والثاني : أنَّهُ " مِنْ آيةٍ " وذلك لتخصيصها{[13199]} بالوَصْفِ .

و " تأتيهم " يحتمل أن يكون ماضي المعنى{[13200]} لقوله : " كَانُوا " ، ويحتمل أنْ يكون مُسْتَقْبَلَ المعنى ؛ لقوله " تَأتيهِمْ " .

واعلم أنَّ الفعْلَ الماضي لا يَقَعُ بَعْدَ " إلاَّ " بأحد شَرْطَيْنِ : إمَّا وقوعه بَعْدَ فِعْلٍ كهذه الآية ، أو يقترن ب " قد " نحو : " ما زيدٌ إلاَّ قد قام " وهنا الْتِفَاتٌ من خطابه بقوله " خلقكم " إلى آخره إلى الغيبةِ بقوله : " وَمَا تَأتِيهم " .


[13196]:وهذان الشرطان هما: أن يكون مجرورها نكرة، والثاني: أن يسبق بنفي أو نهي أو استفهام.
[13197]:ينظر: الدر المصون 3/9.
[13198]:ينظر: الرازي 12/130.
[13199]:في ب: لتخصيصهم.
[13200]:في أ: الفعل.