اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذَآ أُلۡقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقٗا وَهِيَ تَفُورُ} (7)

فصل في معنى الآية

والمعنى لكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم عذاب جهنم ؛ ليبين أن الشياطين المرجومين مخصوصون بذلك ، ثم إنه - تعالى - وصف ذلك العذاب بصفات ، أولها قوله تعالى : { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً } يعني الكفار { إِذَآ أُلْقُواْ } طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة { سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً } أي : صوتاً .

قال ابن عباس : الشَّهيق لجهنم عند إلقاء الكُفار فيها كشهيق البغلةِ للشعير{[57370]} .

وقال عطاءٌ : الشَّهيق من الكُفَّار عند إلقائهم في النار{[57371]} .

وقال مقاتلٌ : سمعُوا لجهنم شهيقاً{[57372]} .

قال ابن الخطيب{[57373]} : ولعل المراد تشبيه صوت لهبِ النَّار بالشهيق ، وهو كصوت الحمار .

وقال المبرد : هو - والله أعلم - تنفس كتنفس التغيُّظ .

قال الزجاجُ{[57374]} : سمع الكُفَّار للنار شهيقاً ، وهو أقبح الأصوات .

وقيل : سمعوا من أنفسهم شهيقاً كقوله تعالى : { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ }[ هود : 106 ] .

قوله : «لَهَا » متعلق بمحذوف على أنه حال من «شَهيقاً » لأنه في الأصل صفته ، ويجوز أن يكون على حذف مضاف ، أي : سمعوا لأهلها ، وهي تَفُور : جملة حالية .

فصل في معنى الشهيق والزفير

قال القرطبيُّ{[57375]} : «والشهيق في الصدر ، والزفير في الحلق ، وقد مضى في سورة هود » .

وقوله : { وَهِيَ تَفُورُ } . أي : تغلي ؛ ومنه قول حسَّان : [ الوافر ]

تَرَكْتُمْ قِدْركُمْ لا شيءَ فِيهَا*** وقِدْرُ القَوْمِ حَامِيَةٌ تَفورُ{[57376]}

قال مجاهد : تفور كما يفور الحب القليل في الماء الكثير{[57377]} .

وقال ابن عباس : تغلي بهم على المراجل ، وهذا من شدّة لهب النار من شدّة الغضب كما تقول : فلان يفور غيظاً{[57378]} .


[57370]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/138) عن ابن عباس.
[57371]:ينظر المصدر السابق.
[57372]:ينظر تفسير القرطبي (18/138) عن ابن عباس.
[57373]:ينظر: الفخر الرازي 30/56
[57374]:ينظر: معاني القرآن 5/199.
[57375]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 18/138.
[57376]:ينظر القرطبي 18/138، وشرح ديوان حسان بن ثابت ص249.
[57377]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/167) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/383) وعزاه إلى هناد وعبد بن حميد.
[57378]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/138).