اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَلۡقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعۡبَانٞ مُّبِينٞ} (107)

لما طلب فرعون من موسى إقَامَةِ البَيِّنَةِ على صحَّةِ دعواه ، بين الله تعالى أنَّ معجزته كانت قلب العصا ثعباناً ، وإظهار اليد البيضاء .

" فإذَا " فجائية وقد تقدَّم أنَّ فيها مذاهبَ ثلاثةً :

ظرف مكان ، أو زمان ، أو حرف .

وقال ابن عطية{[16647]} هنا : " وإذَا ظرف مكان في هذا الموضع عند المبرِّد{[16648]} من حيثُ كانت خبراً عن جثة ، والصَّحيحُ الذي عليه النَّاسُ أنَّهَا ظَرْفُ زَمَانٍ في كلِّ مَوْضِعٍ " .

قال شهابُ الدِّين{[16649]} : " والمشهورُ عند النَّاسِ قول المبردِ ، وهو مذهب سيبويه{[16650]} " .

وأمَّا كونها زماناً فهو مَذْهَبُ الرِّيَاشي ، وعُزِيَ لسيبويه أيضاً .

وقوله : " من حيث كانت خبراً عن جثَّة " ليست هي هنا خبراً عن جُثَّة ، بل الخبرُ عن " هي " لفظ " ثُعْبَان " لا لَفْظ " إذا " .

والثُّعْبَانُ هو ذَكَرُ الحيَّاتِ العظيم ، واشتقاقُه من ثَعَبْتُ المكان أي : فجَّرْتُه بالمَاءِ ، شُبِّه في انسيابه بانْسِيَابِ الماء ، يقال : ثَعَبْتُ الماءَ فجَّرْتُه فانْثَعَبَ . ومنه مَثْعَبُ المطر ، وفي الحديث : " جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَجَرْحُهُ يَثْعَبُ دماً " {[16651]}

فصل

فإن قيل إنَّهُ وصفها هنا بكونها ثُعْبَاناً ، وهو العظيمُ الهائل الخلق ، وفي موضع آخر يقول : { كَأَنَّهَا جَانٌ } [ النمل : 10 ] ، والجان من الحيَّاتِ الخفيف الضّئيل الخلق ، فكيف الجَمْعُ بين هاتين الصّفتين ؟

وقد أجاب الزَّمَخْشَرِيُّ في غير هذا المكان بجوابين :

أحدهما : أنَّهُ يجمع لها بين الشيئين : أي كبر الجُثَّةِ كالثُّعْبَانِ وبين خفَّةِ الحركة ، وسرعة المشي كالجَان .

والثاني : أنَّها في ابتداء أمرها تكون كالجَان ، ثمَّ يتعاظمُ ويتزايد خلقها إلى أن تصير ثُعْبَاناً .

وفي وصف الثُّعبانِ بكونه مُبيناً وجوه{[16652]} :

أحدها : أنُّهُ تمييز ذلك عمَّا جاءت به السَّحرَة من التمويه الذي يلتبسُ على من لا يعرف سببه .

وثانيها : أنَّهم شاهدوا كونه حيَّةً ، فلم يشتبه الأمر عليهم فيه .

وثالثها : أنَّ الثَّعبان أبان قول موسى عليه السلام عن قول المدعي لكاذب .


[16647]:ينظر : المحرر الوجيز 2/436.
[16648]:ينظر: المقتضب 3/56.
[16649]:ينظر: الدر المصون 3/316.
[16650]:ينظر: الكتاب 2/311.
[16651]:أخرجه مالك (2/443-444) كتاب الجهاد: باب الترغيب في الجهاد 1 والبخاري 6/20 كتاب الجهاد والسير: باب تمني الشهادة حديث (2797) ومسلم (3/1495-1496) كتاب الإمارة: باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله حديث (103/1876) من حديث أبي هريرة.
[16652]:ينظر: تفسير الرازي 14/159.