السادس : قال نوحٌ عليه السلامُ : { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ } إلى قوله : { وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، [ وفي قصَّةُ هود حذف قوله : { وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }{[16416]} ، والفرق أنَّهُ لمَّا ظهر في قِصَّةِ نُوح - عليه السلام - أنَّ فائدة الإنذار هي حصول التقوى الموجبة للرحمة ، لم يكن لإعادته في هذه القصَّة حاجة{[16417]} .
قوله : " إذْ جَعَلَكُمْ " في " إذْ " وجهان :
أحدهما : أنَّه ظرفٌ منصوبٌ بما تضمنتهُ الآلاء من معنى الفعلِ ، كأنه قيل : " واذكُرُوا نِعَمَ اللَّهِ عليكم في هذا الوَقْتِ " ، ومفعول " اذْكُرَوا " محذوفٌ لدلالة قوله بعد ذلك : { فاذكروا آلاءَ الله } ، ولأن قوله : { إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ } ، وزادكم كذا هو نفس الآلاء وهذا ظاهر قول الحُوفِي .
قال الزَّمَخْشَرِيُّ{[16418]} : " إذْ " مفعول " اذْكُرُوا " أي : اذكروا هذا الوقت المشتمل على هذه النعم الجسيمة ، وتقدَّم الكلامُ في الخلفاء والخلائف والخليف .
قوله : " فِي الخَلْقِ " يحتملُ أن يراد به المصدر بمعنى في امتداد قامتكم وحسن صوركم ، وعظم أجْسَامِكُمْ ، ويحتمل أنْ يراد به معنى المفعول به ، أي : في المَخْلُوقين بمعنى زادكم في النَّاسِ مثلكم بسطة عليهم ، فإنَّهُ لم يكن في زمانهم مثلهم في عظم الأجرام .
قال الكَلْبِيُّ والسُّدِّيُّ : " كانت قامة الطّويل منهم مائة ذراع ، وقامة القصير ستُّون ذراعاً{[16419]} " .
وتقدم الكلامُ على " بسطة " في البقرة .
قوله : { فاذكروا آلاءَ الله } ، أي : نعمه ، وهو جمع مفرده " إلْي " بكسر الهمزة وسُكُونِ اللاَّمِ ؛ كحِملْل وأحْمَالِ ، أو " ألْيٌ " بضمِّ الهمزة وسُكُونِ اللاَّمِ : كقُفْل ، وأقْفَالٍ ، أو " إلى " بكسر الهمزة ، وفتح اللام ؛ كضِلَع وأضلاع ، وعِنَب وأعْنَاب ، أو " ألَى " بفتحهما كقَفَا وأقْفَاء ؛ قال العْشضى : [ المنسرح ]
أبْيَضُ لا يَرْهَبُ الهُزَالَ وَلاَ *** يَقْطَعُ رِحْماً ولا يَخُونُ ألَى{[16420]}
يُنشد بكسر الهمزة ، وهو المشهورُ ، وبفتحها ؛ ومثلها " الآنَاء " جمع " إِنْي " أو " أُنْي " أو " إِنّى " أو " أَنّى " .
وقال الأخفش{[16421]} : " إنْوٌ " .
والآناء الأوقات كقوله : { وَمِنْ آنَاءِ الليل } [ طه : 130 ] ، وسيأتي .
ثم قال : " لعلَّكُم تُفْلِحُونَ " فلا بُدَّ هاهنا من إضمار ؛ لأنَّ الصَّلاح الذي هو الظَّفر بالثَّواب لا يحصل بمجرد التذكر ، بل لا بدّ من العمل ، والتقدير : فاذكروا آلاء اللَّهِ واعملوا عملاً يليق بذلك الإنعام لعلّكم تفلحون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.