اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ لِيُنذِرَكُمۡۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحٖ وَزَادَكُمۡ فِي ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةٗۖ فَٱذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (69)

السادس : قال نوحٌ عليه السلامُ : { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ } إلى قوله : { وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، [ وفي قصَّةُ هود حذف قوله : { وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }{[16416]} ، والفرق أنَّهُ لمَّا ظهر في قِصَّةِ نُوح - عليه السلام - أنَّ فائدة الإنذار هي حصول التقوى الموجبة للرحمة ، لم يكن لإعادته في هذه القصَّة حاجة{[16417]} .

قوله : " إذْ جَعَلَكُمْ " في " إذْ " وجهان :

أحدهما : أنَّه ظرفٌ منصوبٌ بما تضمنتهُ الآلاء من معنى الفعلِ ، كأنه قيل : " واذكُرُوا نِعَمَ اللَّهِ عليكم في هذا الوَقْتِ " ، ومفعول " اذْكُرَوا " محذوفٌ لدلالة قوله بعد ذلك : { فاذكروا آلاءَ الله } ، ولأن قوله : { إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ } ، وزادكم كذا هو نفس الآلاء وهذا ظاهر قول الحُوفِي .

قال الزَّمَخْشَرِيُّ{[16418]} : " إذْ " مفعول " اذْكُرُوا " أي : اذكروا هذا الوقت المشتمل على هذه النعم الجسيمة ، وتقدَّم الكلامُ في الخلفاء والخلائف والخليف .

قوله : " فِي الخَلْقِ " يحتملُ أن يراد به المصدر بمعنى في امتداد قامتكم وحسن صوركم ، وعظم أجْسَامِكُمْ ، ويحتمل أنْ يراد به معنى المفعول به ، أي : في المَخْلُوقين بمعنى زادكم في النَّاسِ مثلكم بسطة عليهم ، فإنَّهُ لم يكن في زمانهم مثلهم في عظم الأجرام .

قال الكَلْبِيُّ والسُّدِّيُّ : " كانت قامة الطّويل منهم مائة ذراع ، وقامة القصير ستُّون ذراعاً{[16419]} " .

وتقدم الكلامُ على " بسطة " في البقرة .

قوله : { فاذكروا آلاءَ الله } ، أي : نعمه ، وهو جمع مفرده " إلْي " بكسر الهمزة وسُكُونِ اللاَّمِ ؛ كحِملْل وأحْمَالِ ، أو " ألْيٌ " بضمِّ الهمزة وسُكُونِ اللاَّمِ : كقُفْل ، وأقْفَالٍ ، أو " إلى " بكسر الهمزة ، وفتح اللام ؛ كضِلَع وأضلاع ، وعِنَب وأعْنَاب ، أو " ألَى " بفتحهما كقَفَا وأقْفَاء ؛ قال العْشضى : [ المنسرح ]

أبْيَضُ لا يَرْهَبُ الهُزَالَ وَلاَ *** يَقْطَعُ رِحْماً ولا يَخُونُ ألَى{[16420]}

يُنشد بكسر الهمزة ، وهو المشهورُ ، وبفتحها ؛ ومثلها " الآنَاء " جمع " إِنْي " أو " أُنْي " أو " إِنّى " أو " أَنّى " .

وقال الأخفش{[16421]} : " إنْوٌ " .

والآناء الأوقات كقوله : { وَمِنْ آنَاءِ الليل } [ طه : 130 ] ، وسيأتي .

ثم قال : " لعلَّكُم تُفْلِحُونَ " فلا بُدَّ هاهنا من إضمار ؛ لأنَّ الصَّلاح الذي هو الظَّفر بالثَّواب لا يحصل بمجرد التذكر ، بل لا بدّ من العمل ، والتقدير : فاذكروا آلاء اللَّهِ واعملوا عملاً يليق بذلك الإنعام لعلّكم تفلحون .


[16416]:سقط من أ.
[16417]:ينظر: تفسير الرازي 14/128.
[16418]:ينظر: الكشاف 2/117.
[16419]:تقدم.
[16420]:ينظر: ديوانه 285، مجاز القرآن 1/218، معاني الزجاج 2/384، الدر المصون 3/291.
[16421]:ينظر: معاني القرآن للأخفش 1/213.