مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ} (77)

ثم قال : { ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا } وهؤلاء الرسل هم الرسل الذين بشروا إبراهيم بالولد عليهم السلام . قال ابن عباس رضي الله عنهما : انطلقوا من عند إبراهيم إلى لوط وبين القريتين أربع فراسخ ودخلوا عليه على صورة شباب مرد من بني آدم وكانوا في غاية الحسن ولم يعرف لوط أنهم ملائكة الله وذكروا فيه ستة أوجه : الأول : أنه ظن أنهم من الإنس فخاف عليهم خبث قومه وأن يعجزوا عن مقاومتهم . الثاني : ساءه مجيئهم لأنه ما كان يجد ما ينفقه عليهم وما كان قادرا على القيام بحق ضيافتهم . والثالث : ساءه ذلك لأن قومه منعوه من إدخال الضيف داره . الرابع : ساءه مجيئهم ، لأنه عرف بالحذر أنهم ملائكة وأنهم إنما جاؤوا لإهلاك قومه ، والوجه الأول هو الأصح لدلالة قوله تعالى : { وجاء قومه يهرعون إليه } وبقي في الآية ألفاظ ثلاثة لا بد من تفسيرها :

اللفظ الأول : قوله : { سيء بهم } ومعناه ساء مجيئهم وساء يسوء فعل لازم مجاوز يقال سؤته فسيء مثل شغلته فشغل وسررته فسر . قال الزجاج : أصله سوىء بهم إلا أن الواو سكنت ونقلت كسرتها إلى السين .

واللفظ الثاني : قوله : { وضاق بهم ذرعا } قال الأزهري : الذرع يوضع موضع الطاقة والأصل فيه البعير يذرع بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوته ، فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق ذرعه عن ذلك فضعف ومد عنقه ، فجعل ضيق الذرع عبارة عن قدر الوسع والطاقة . فيقال : مالي به ذرع ولا ذراع أي مالي به طاقة ، والدليل على صحة ما قلناه أنهم يجعلون الذراع في موضع الذرع فيقولون ضقت بالأمر ذراعا .

واللفظ الثالث : قوله : { هذا يوم عصيب } أي يوم شديد ، وإنما قيل للشديد عصيب لأنه يعصب الإنسان بالشر .