مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (36)

أما قوله تعالى : { وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزؤا } قال السدي ومقاتل : نزلت هذه الآية في أبي جهل مر به النبي صلى الله عليه وسلم وكان أبو سفيان مع أبي جهل ، فقال أبو جهل لأبي سفيان : هذا نبي بني عبد مناف ، فقال أبو سفيان : وما تنكر أن يكون نبيا في بني عبد مناف . فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قولهما فقال لأبي جهل : " ما أراك تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة ، وأما أنت يا أبا سفيان : فإنما قلت ما قلت حمية " فنزلت هذه الآية ، ثم فسر الله تعالى ذلك بقوله : { أهذا الذي يذكر آلهتكم } والذكر يكون بخير وبخلافه ، فإذا دلت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيد كقولك للرجل سمعت فلانا يذكرك ، فإن كان الذاكر صديقا فهو ثناء ، وإن كان عدوا فهو ذم ، ومنه قوله تعالى : { سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم } والمعنى أنه يبطل كونها معبودة ويقبح عبادتها .

وأما قوله تعالى : { وهم بذكر الرحمن هم كافرون } فالمعنى أنه يعيبون عليه ذكر آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع بالسوء ، مع { أنهم بذكر الرحمن } الذي هو المنعم الخالق المحيي المميت { كافرون } ولا فعل أقبح من ذلك ، فيكون الهزؤ واللعب والذم عليهم يعود من حيث لا يشعرون ، ويحتمل أن يراد { بذكر الرحمن } القرآن والكتب ، والمعنى في أعادتهم أن الأولى إشارة إلى القوم الذين كانوا يفعلون ذلك الفعل ، والثانية إبانة لاختصاصهم به ، وأيضا فإن في أعادتها تأكيدا وتعظيما لفعلهم .