قوله تعالى : { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين * وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين * وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين } .
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل العقاب في الآية المتقدمة ، شرح أحوال أهل الثواب في هذه الآية ، فقال : { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا } فإن قيل السوق في أهل النار للعذاب معقول ، لأنهم لما أمروا بالذهاب إلى موضع العذاب والشقاوة لا بد وأن يساقوا إليه ، وأما أهل الثواب فإذا أمروا بالذهاب إلى موضع الكرامة والراحة والسعادة ، فأي حاجة فيه إلى السوق ؟
والجواب من وجوه ( الأول ) أن المحبة والصداقة باقية بين المتقين يوم القيامة كما قال تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } فإذا قيل لواحد منهم اذهب إلى الجنة فيقول : لا أدخلها حتى يدخلها أحبائي وأصدقائي فيتأخرون لهذا السبب ، فحينئذ يحتاجون إلى أن يساقوا إلى الجنة ( والثاني ) أن الذين اتقوا ربهم قد عبدوا الله تعالى لا للجنة ولا للنار ، فتصير شدة استغراقهم في مشاهدة مواقف الجلال والجمال مانعة لهم عن الرغبة في الجنة ، فلا جرم يحتاجون إلى أن يساقوا إلى الجنة ( والثالث ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أكثر أهل الجنة البله وعليون للأبرار » فلهذا السبب يساقون إلى الجنة ( والرابع ) أن أهل الجنة وأهل النار يساقون إلا أن المراد بسوق أهل النار طردهم إليها بالهوان والعنف كما يفعل بالأسير إذ سيق إلى الحبس والقيد ، والمراد بسوق أهل الجنة سوق مراكبهم لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين ، والمراد بذلك السوق إسراعهم إلى دار الكرامة والرضوان كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على الملوك ، فشتان ما بين السوقين .
ثم قال تعالى : { حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها } الآية ، واعلم أن جملة هذا الكلام شرط واحد مركب من قيود : ( القيد الأول ) هو مجيئهم إلى الجنة ( والقيد الثاني ) قوله تعالى : { وفتحت أبوابها } فإن قيل قال أهل النار فتحت أبوابها بغير الواو ، وقال هاهنا بالواو فما الفرق ؟ قلنا الفرق أن أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها ، فأما أبواب الجنة ففتحها يكون متقدما على وصولهم إليها بدليل قوله { جنات عدن مفتحة لهم الأبواب } فلذلك جيء بالواو كأنه قيل : حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها . ( القيد الثالث ) قوله { وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } فبين تعالى أن خزنة الجنة يذكرون لأهل الثواب هذه الكلمات الثلاث ( فأولها ) قولهم { سلام عليكم } وهذا يدل على أنهم يبشرونهم بالسلامة من كل الآفات ( وثانيها ) قولهم { طبتم } والمعنى طبتم من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا ( وثالها ) قولهم { فادخلوها خالدين } والفاء في قوله { فادخلوها } يدل على كون ذلك الدخول معللا بالطيب والطهارة ، قالت المعتزلة هذا يدل على أن أحدا لا يدخلها إلا إذا كان طاهرا عن كل المعاصي ، قلنا هذا ضعيف لأنه تعالى يبدل سيئاتهم حسنات ، وحينئذ يصيرون طيبين طاهرين بفضل الله تعالى ، فإن قيل فهذا الذي تقدم ذكره هو الشرط فأين الجواب ؟ قلنا فيه وجهان ( الأول ) أن الجواب محذوف والمقصود من الحذف أن يدل على أنه بلغ في الكمال إلى حيث لا يمكن ذكره ( الثاني ) أن الجواب هو قوله تعالى : { وقال لهم خزنتها سلام عليكم } والواو محذوف ، والصحيح هو الأول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.