مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ} (16)

{ فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا } وفي الصرصر قولان ( أحدهما ) أنها العاصفة التي تصرصر أي تصوت في هبوبها ، وفي علة هذه التسمية وجوه قيل إن الرياح عند اشتداد هبوبها يسمع منها صوت يشبه صوت الصرصر فسميت هذه الرياح بهذا الاسم وقيل هو من صرير الباب ، وقيل من الصرة والصيحة ، ومنه قوله تعالى : { فأقبلت امرأته في صرة } ( والقول الثاني ) أنها الباردة التي تحرق ببردها كما تحرق النار بحرها ، وأصلها من الصر وهو البرد قال تعالى : { كمثل ريح فيها صر } وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «الرياح ثمان أربع منها عذاب العاصف والصرصر والعقيم والسموم ، وأربع منها رحمة الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات » وعن ابن عباس أن الله تعالى ما أرسل على عباده من الريح إلا قدر خاتمي ، والمقصود أنه مع قلته أهلك الكل وذلك يدل على كمال قدرته .

وأما قوله { في أيام نحسات } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو { نحسات } بسكون الحاء والباقون بكسر الحاء ، قال صاحب «الكشاف » يقال نحس نحسا نقيض سعد سعدا فهو نحس ، وأما نحس فهو إما مخفف نحس أو صفة على فعل أو وصف بمصدر .

المسألة الثانية : استدل الأحكاميون من المنجمين بهذه الآية على أن بعض الأيام قد يكون نحسا وبعضها قد يكون سعدا ، وقالوا هذه الآية صريحة في هذا المعنى ، أجاب المتكلمون بأن قالوا { أيام نحسات } أي ذوات غبار وتراب ثائر لا يكاد يبصر فيه ويتصرف ، وأيضا قالوا معنى كون هذه الأيام نحسات أن الله أهلكهم فيها ، أجاب المستدل الأول بأن النحسات في وضع اللغة هي المشئومات لأن السعد يقابله السعد ، والكدر يقابله الصافي ، وأجاب عن السؤال الثاني أن الله تعالى أخبر عن إيقاع ذلك العذاب في تلك الأيام النحسات ، فوجب أن يكون كون تلك الأيام نحسة مغايرا لذلك العذاب الذي وقع فيها .

ثم قال تعالى : { ولنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا } أي عذاب الهوان والذل ، والسبب فيه أنهم استكبروا ، فقابل الله ذلك الاستكبار بإيصال الخزي والهوان والذل إليهم .

ثم قال تعالى { ولعذاب الآخرة أخزى } أي أشد إهانة وخزيا { وهم لا ينصرون } أي أنهم يقعون في الخزي الشديد ومع ذلك فلا يكون لهم ناصر يدفع ذلك الخزي عنهم .