ولما بين الله تعالى كيفية أقسام الوحي إلى الأنبياء عليهم السلام ، قال : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } والمراد به القرآن وسماه روحا ، لأنه يفيد الحياة من موت الجهل أو الكفر .
ثم قال تعالى : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } واختلف العلماء في هذه الآية مع الإجماع على أنه لا يجوز أن يقال الرسل كانوا قبل الوحي على الكفر ، وذكروا في الجواب وجوها ( الأول ) { ما كنت تدري ما الكتاب } أي القرآن { ولا الإيمان } أي الصلاة ، لقوله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } أي صلاتكم ( الثاني ) أن يحمل هذا على حذف المضاف ، أي { ما كنت تدري ما الكتاب } ومن أهل الإيمان ، يعني من الذي يؤمن ، ومن الذي لا يؤمن ( الثالث ) { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } حين كنت طفلا في المهد ( الرابع ) الإيمان عبارة عن الإقرار بجميع ما كلف الله تعالى به . وإنه قبل النبوة ما كان عارفا بجميع تكاليف الله تعالى ، بل إنه كان عارفا بالله تعالى ، وذلك لا ينافي ما ذكرناه ( الخامس ) صفات الله تعالى على قسمين : منها ما يمكن معرفته بمحض دلائل العقل ، ومنها ما لا يمكن معرفته إلا بالدلائل السمعية . فهذا القسم الثاني لم تكن معرفته حاصلة قبل النبوة .
ثم قال تعالى : { ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } واختلفوا في الضمير في قوله { ولكن جعلناه } منهم من قال إنه راجع إلى القرآن دون الإيمان لأنه هو الذي يعرف به الأحكام ، فلا جرم شبه بالنور الذي يهتدي به ، ومنهم من قال إنه راجع إليهما معا ، وحسن ذلك لأن معناهما واحد كقوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } .
ثم قال : { نهدي به من نشاء من عبادنا } وهذا يدل على أنه تعالى بعد أن جعل القرآن نفسه في نفسه هدى كما قال : { هدى للمتقين } فإنه قد يهدي به البعض دون البعض وهذه الهداية ليست إلا عبارة عن الدعوة وإيضاح الأدلة لأنه تعالى قال في صفة محمد صلى الله عليه وسلم { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } وهو يفيد العموم بالنسبة إلى الكل وقوله { نهدي به من نشاء من عبادنا } يفيد الخصوص فثبت أن الهداية بمعنى الدعوة عامة والهداية في قوله { نهدي به من نشاء من عبادنا } خاصة والهداية الخاصة غير الهداية العامة فوجب أن يكون المراد من قوله { نهدي به من نشاء من عبادنا } أمرا مغايرا لإظهار الدلائل ولإزالة الأعذار ، ولا يجوز أيضا أن يكون عبارة عن الهداية إلى طريق الجنة لأنه تعالى قال : { ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } أي جعلنا القرآن نورا نهدي به من نشاء ، وهذا لا يليق إلا بالهداية التي تحصل في الدنيا ، وأيضا فالهداية إلى الجنة عندكم في حق البعض واجب ، وفي حق الآخرين محظور ، وعلى التقديرين فلا يبقى لقوله { من نشاء من عبادنا } فائدة ، فثبت أن المراد أنه تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء ولا اعتراض عليه فيه .
ثم قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } فبين تعالى أنه كما أن القرآن يهدي فكذلك الرسول يهدي ، وبين أنه يهدي إلى صراط مستقيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.