ثم قال تعالى : { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة } أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله جاء بآيات من الله كما أتوا بأمثالها ، فإن كان الله أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يده فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى وفلق البحر على يد موسى ، وإن كان خلقه من غير ذكر فقد خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى { وأمه صديقة } وفي تفسير ذلك وجوه : أحدها : أنها صدقت بآيات ربها وبكل ما أخبر عنه ولدها . قال تعالى في صفتها { وصدقت بكلمات ربها وكتبه } وثانيها : أنه تعالى قال : { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا } فلما كلمها جبريل وصدقته وقع عليها اسم الصديقة ، وثالثها : أن المراد بكونها صديقة غاية بعدها عن المعاصي وشدة جدها واجتهادها في إقامة مراسم العبودية ، فإن الكامل في هذه الصفة يسمى صديقا قال تعالى : { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين } .
ثم قال تعالى : { كانا يأكلان الطعام } .
واعلم أن المقصود من ذلك : الاستدلال على فساد قول النصارى ، وبيانه من وجوه : الأول : أن كل من كان له أم فقد حدث بعد أن لم يكن ، وكل من كان كذلك كان مخلوقا لا إلها ، والثاني : أنهما كانا محتاجين ، لأنهما كانا محتاجين إلى الطعام أشد الحاجة ، والإله هو الذي يكون غنيا عن جميع الأشياء ، فكيف يعقل أن يكون إلها . الثالث : قال بعضهم : إن قوله { كانا يأكلان الطعام } كناية عن الحدث لأن من أكل الطعام فإنه لابد وأن يحدث ، وهذا عندي ضعيف من وجوه : الأول : أنه ليس كل من أكل أحدث ، فإن أهل الجنة يأكلون ولا يحدثون . الثاني : أن الأكل عبارة عن الحاجة إلى الطعام ، وهذه الحاجة من أقوى الدلائل على أنه ليس بإله ، فأي حاجة بنا إلى جعله كناية عن شيء آخر . الثالث : أن الإله هو القادر على الخلق والإيجاد ، فلو كان إلها لقدر على دفع ألم الجوع عن نفسه بغير الطعام والشراب ، فما لم يقدر على دفع الضرر عن نفسه كيف يعقل أن يكون إلها للعالمين ، وبالجملة ففساد قول النصارى أظهر من أن يحتاج فيه إلى دليل .
ثم قال تعالى : { انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون } يقال : أفكه يأفكه إفكا إذا صرفه ، والإفك الكذب لأنه صرف عن الحق ، وكل مصروف عن الشيء مأفوك عنه ، وقد أفكت الأرض إذا صرف عنها المطر ، ومعنى قوله { أنى يؤفكون } أنى يصرفون عن الحق ، قال أصحابنا : الآية دلت على أنهم مصروفون عن تأمل الحق ، والإنسان يمتنع أن يصرف نفسه عن الحق والصدق إلى الباطل والجهل والكذب ، لأن العاقل لا يختار لنفسه ذلك ، فعلمنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي صرفهم عن ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.