التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{مَّا ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّيقَةٞۖ كَانَا يَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (75)

قوله : { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } أي ليس المسيح إلا رسولا كغيره من الرسل المتقدمين . فهو من جنس الرسل الذين سبقوه . ولئن جاء المسيح بآيات معجزات فقد أتوا من قبله بآيات معجزات فإن كان الله أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يده ، فقد أحيا الله العصا وجعلها حية تسعى وفلق البحر على يد موسى . وإن كان خلقه من غير أب فقد خلق آدم من غير أب ولا أم .

قوله : { وأمه صديقة } مبتدأ وخبره . أي وكذلك ، ما أمه إلا كسائر النساء أولات الصدق ، المصدقات للأنبياء ، المؤمنات بهم . وقيل في تأويله { صديقة } أنها صدقت بآيات الله وكتبه . وقيل : اتصافها بالطهر والعفة وبالغ الشرف .

قوله : { كانا يأكلان الطعام } الأكل دليل على الحاجة إلى الطعام عقب الجوع . والحاجة من أقوى الأدلة على أنه ليس إلها . فالله غير محتاج لشيء أو لأحد . وأما الجوع فإنه لو كان واحد منهما إلها لدفع عن نفسه ألم الجوع من غير طعام أو شراب . فدل ذلك على أنه ليس إلها . قال القرطبي عن عبودية المسيح في هذه الآية : إنه مولود مربوب . ومن ولدته النساء وكان يأكل الطعام مخلوق محدث كسائر المخلوقين . فمتى يصلح المربوب لأن يكون ربا ؟ !

قوله : { انظر كيف نبين لهم الآيات } هذا تعجيب من حال هؤلاء المكابرين الذين يدعون الربوبية للمسيح وأمه . انظر كيف نبين لهم الدلائل القطعية التي تصدع ببطلان قولهم .

قوله : { ثم انظر أنى يؤفكون } يؤفكون ، من الأفك بفتح الهمز . وهو مصدر أفكه أي قلبه وصرفه عن الشيء . وكل مصروف عن الشيء مأفوك عنه{[1025]} .

والمعنى : انظر كيف يصرف هؤلاء المعاندون السفهاء عن الحق الظاهر الساطع بالرغم من كل ما سبق لهم في ذلك من دلائل وبراهين{[1026]} .


[1025]:- مختار الصحاح ص 19 والقاموس المحيط ج 3 ص 302.
[1026]:- تفسير القرطبي ج 6 ص 249، 250 وتفسير الرازي ج 12 ص 63- 66 والكشاف ج 1 ص 634.