النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{مَّا ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّيقَةٞۖ كَانَا يَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (75)

قوله تعالى : { مَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ } رد الله بذلك على اليهود والنصارى ، فرده على اليهود في تكذيبهم لنبوته ونسبتهم له إلى غير رِِشدة ، ورده على النصارى في قولهم إنه ابن الله .

{ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } رد على اليهود في نسبتها إلى الفاحشة .

وفي قوله : { صِدِّيقَةٌ } تأويلان :

أحدهما : أنه مبالغة في صدقها ونفي الفاحشة عنها .

والثاني : أنها مصدقة بآيات ربها فهي بمنزلة ولدها ، قاله الحسن .

{ كَانَا يَاكُلاَنِ الطَّعَامَ } فيه قولان :

أحدهما : أنه كنى بذلك عن الغائط لحدوثه منه ، وهذه صفة تُنْفَى عن الإِله .

والثاني : أنه أراد نفس الأكل لأن الحاجة إليه عجز والإِله لا يكون عاجزاً .

{ انظُر كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ } يعني الحجج والبراهين .

{ ثُمَّ انظُر أَنَّى يُؤْفَكُونَ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : يعني يصرفون ، من قولهم أفكت الأرض إذا صرف عنها المطر .

والثاني : يعني يقلبون ، والمؤتفكات{[819]} : المنقلبات من الرياح وغيرها .

والثالث : يكذبون ، من الإفك ، وهو الكذب .


[819]:- قال تعالى: وأصحاب مدين والمؤتفكات (آية 70) التوبة، والمراد بالمؤتفكات قوم لوط لان أرضهم ائتفكت بهم أي انقلبت.