صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{مَّا ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّيقَةٞۖ كَانَا يَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (75)

{ ما المسيح ابن مريم إلا رسول }فهو بشر مخلوق الله تعالى ، وعبد من أصفياء عباده ، اختاره للرسالة ، كسائر الرسل الذين مضوا قبله ، وسيمضي كما مضوا ، فكيف يكون إلاها أو جزء إله ؟

إن ذلك باطل من القول . و{ أمه صديقة }أي وما أمه إلا أمة من إماء الله كسائر النساء ديدنها الصدق مع الله ، أو التصديق له في سائر أمورها ، فمن أين لكم وصفها بما وصفتموها به ؟ { كانا يأكلان الطعام }أي كانا محتاجين إلى القوت ، وإلى القوى التي لا بد منها في هضمه ، وإحالته إلى ما به قوام الجسم والحياة ، وفي نفض ما لا بد من نفضه من المواد ، وليس شيء من ذلك في قدرتهما ، وإنما هو بقدرة الله تعالى وتدبيره ، فهما في ذلك كسائر البشر ، فكيف تنسبون إليهما ما نسبتم من الباطل المحال ؟

وقيل- كما قال الآلوسي-إنه كناية عن قضاء الحاجة ، لأن من أكل الطعام احتاج إلى النفض . وهذا أمر مذاقا في أفواه مدعى ألوهيتهما ، لما في ذلك- مع الدلالة على الاحتياج المنافي للألوهية- من البشاعة ما لا يخفى . { أنى يؤفكون }كيف يصرفون عن استماع الحق وتبينه مع ما بينا من دلائله . إن ذلك لشيء يتعجب منه غاية التعجب . يقال : أفكه عن الشيء يأفكه أفكا ، صرفه عنه وقلبه ، فأنا آفكه وهو مأفود وقد أفكت الأرض أفكا : صرف عنها المطر .