مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (8)

ثم إنه تعالى بعدما ذكر من ترك انقطاع المؤمنين بالكلية عن الكفار رخص في صلة الذين لم يقاتلوهم من الكفار فقال :

{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم فأولئك هم الظالمون } .

اختلفوا في المراد من { الذين لم يقاتلوكم } فالأكثرون على أنهم أهل العهد الذين عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك القتال ، والمظاهرة في العداوة ، وهم خزاعة كانوا عاهدوا الرسول على أن لا يقاتلوه ولا يخرجوه ، فأمر الرسول عليه السلام بالبر والوفاء إلى مدة أجلهم ، وهذا قول ابن عباس والمقاتلين والكلبي ، وقال مجاهد : الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا ، وقيل : هم النساء والصبيان ، وعن عبد الله بن الزبير : أنها نزلت في أسماء بنت أبي بكر قدمت أمها فتيلة عليها وهي مشركة بهدايا ، فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخلها وتقبل منها وتكرمها وتحسن إليها ، وعن ابن عباس : أنهم قوم من بني هاشم منهم العباس أخرجوا يوم بدر كرها ، وعن الحسن : أن المسلمين استأمروا رسول الله في أقربائهم من المشركين أن يصلوهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقيل الآية في المشركين ، وقال قتادة نسختها آية القتال . وقوله : { أن تبروهم } بدل من { الذين لم يقاتلوكم } وكذلك { أن تولوهم } بدل من { الذين قاتلوكم } والمعنى : لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء ، وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء ، وهذا رحمة لهم لشدتهم في العداوة ، وقال أهل التأويل : هذه الآية تدل على جواز البر بين المشركين والمسلمين ، وإن كانت الموالاة منقطعة ، وقوله تعالى : { وتقسطوا إليهم } قال ابن عباس يريد بالصلة وغيرها { إن الله يحب المقسطين } يريد أهل البر والتواصل ، وقال مقاتل : أن توفوا لهم بعهدهم وتعدلوا .