{ لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ } أي إثم { وَلاَ عَلَى الاعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ } أي في التخلف عن الغزو لما بهم من العذر والعاهة ، وفي نفي الحرج عن كل من الطوائف المعدودة مزيد اعتناء بأمرهم وتوسيع لدائرة الرخصة ، وليس في نفي ذلك عنهم نهي لهم عن الغزو بل قالوا : إن أجرهم مضاعف في الغزو ، وقد غزا ابن أم مكتوم وكان أعمى رضي الله تعالى عنه وحضر في بعض حروب القادسية وكان يمسك الراية . وفي «البحر » لو حصر المسلمون فالفرض متوجه بحسب الوسع في الجهاد { وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ } فيما ذكر من الأوامر والنواهي .
{ يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار وَمَن يَتَوَلَّ } عن الطاعة { يُعَذّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } لا يقادر قدره والمعنى بالوعد والوعيد هنا أعم من المعنى بهما فيما سبق كما ينبئ عن ذلك التعبير بمن هنا وبضمير الخطاب هناك ، وقيل في الوعيد { يُعَذّبْهُ } الخ دون يدخله ناراً ونحوه مما هو أظهر في المقابلة لقوله تعالى : { يُدْخِلْهُ جنات } الخ اعتناء بأمره من حيث أن التعذيب يوم القيامة عذاباً أليماً يستلزم إدخال النار وإدخالها لا يستلزم ذلك ، واعتنى به لأن المقام يقتضيه ولذا جيء به كالمكرر مع الوعيد السابق ، ويكفي في الإشارة إلى سبق الرحمة إخراج الوعد ههنا كالتفصيل لما تقدم والتعبير هناك بإيتاء الأجر الحسن الظاهر في الاستحقاق مع إسناد الايتاء إلى الاسم الجليل نفسه فتأمل فلمسلك الذهن اتساع . وقرأ الحسن . وقتادة . وأبو جعفر . والأعرج . وشيبة . وابن عامر . ونافع { ندخله . ونعذبه } بالنون فيهما .
ومن باب الاشارة : { لَّيْسَ عَلَى الاعمى } وهو من لم ير في الدار غيره دياراً «حرج » في ترك السلوك والجهاد المطلوب منكم لأنه وراء ذلك { وَلاَ عَلَى الاعرج } وهو من فقد شيخاً كاملاً سالماً عن عيب في كيفية التسليك والإيصال { حَرَجٌ } في ترك السلوك أيضاً ، وهو إشارة إلى ما قالوا من أن ترك السلوك خير من السوك على يد ناقص { وَلاَ عَلَى المريض } بمرض العشق والهيام { حَرَجٌ } [ الفتح : 17 ] في ذاك أيضاً لأنه مجذوب والجذبة خير من السلوك
قوله : { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } الحرج معناه الإثم{[4260]} أي لا إثم على هؤلاء المذكورين في التخلف عن الجهاد لما بهم من أعذار أو زمانة تمنع من الكر والفر مما يقتضيه فن الحرب في ساحات القتال .
وفي الآية بيان لثلاثة أصناف من المعذورين وهم : الأعمى ، فإنه لا يستطيع مزاولة الجهاد أو الإقدام على العدو ولا يمكنه الاحتراز والحذر .
ثم الأعرج ، الذي يعجزه العرج عن مزاولة القتال وما يقتضيه ذلك من قدرة على الحركة والسعي وسرعة التنقل . أما إن كان عرجه هينا بسيطا لا يعجزه عن المجاهدة فلا يعذر في ترك الجهاد . وفي معنى الأعرج ، الأقطع وهو المقطوع اليد . وكذلك المقعد وهو أولى بالعذر .
ثم المريض الذي لا يستطيع الكر والفر وسرعة الحركة والتنقل ولا يقدر على ملاقاة العدو بالضرب والطعن ونحوهما لما به من مرض . أما إن كان مرضه هينا كالسعال أو الصداع الخفيف أو نحو ذلك مما لا يعجز صاحبه عن الجهاد فليس بمعذور .
قوله : { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } يرغب الله المؤمنين في قتال المشركين الظالمين الذين يجحدون آيات الله ، ويصدون الناس عن دين الإسلام . والمعنى : من يطع الله ورسوله في الدعوة إلى جهاد المشركين وإلى القتال في صفوف المؤمنين دفعا لشرور الظالمين وفتنتهم ، وابتغاء مرضاة الله وسعيا لإعلاء كلمة الإسلام ، أولئك يجزيهم ربهم خير الجزاء يوم القيامة حيث النعيم المقيم في جنات تجري من تحتها الأنهار { ومن يتول يعذبه عذابا أليما } من يعرض عن طاعة الله ورسوله فيتخلف عن الجهاد مع المؤمنين فلسوف يبوء بعذاب الذل والخزي في الدنيا ، وبالعذاب الوجيع في الآخرة{[4261]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.