نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبۡهُ عَذَابًا أَلِيمٗا} (17)

ولما توعد المتخلفين بتخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توعدهم في التقاعد عن هذا الإمام القائم بعده بالحق ، {[60353]}وكان{[60354]} أهل الأعذار لا يتيسر لهم ما أريد بهذا الدعاء ، وكان الدين مبنياً على الحنيفية السمحة ، استأنف قوله تعالى مسكناً لما استثاره{[60355]} الوعيد من روعهم : { ليس على الأعمى } أي في تخلفه عن الدعاء إلى الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم أو مع غيره من أئمة الدعاء { حرج } أي ميل بثقل الإثم لأجل أن عماه موهن لسعيه وجميع بطشه ، ولأجل تأكيد المعنى تسكيناً لما ثار من روع المؤمن كرر النافي والحرج في كل جملة مستقلة تأكيداً لهذا الأمر فقال : { ولا على الأعرج } وإن كان نقصه أدنى من نقص العمى { حرج } وجعل كل جملة مستقلة تأكيداً لهذا الحكم .

ولما ذكر هذين الأثرين الخاصين المزيد ضررهما في العاقة عن كمال الجهاد ، عم بقوله : { ولا على المريض } أي بأيّ مرض { حرج } فلم يخرج أهل هذه الأعذار الذين لم يمنعهم إلا إعذارهم عن أهل الحديبية ، وأطلب الحرج المنفي ليقبل التقدير بالتخلف ولا حاجة لأن حضورهم لا يخلو عن نفع في الجهاد ، وذكر هكذا{[60356]} دون أسلوب الاستثناء إيذاناً بأنهم لم يدخلوا في الوعيد أصلاً حتى يخرجوا منه .

ولما بشر{[60357]} المطيعين لتلك الدعوة وتوعد القاعدين عنها وعذر المعذورين ، وكانت إجابة المعذورين جائزة ، بل أرفع من قعودهم ، ولذلك لم ينف إجابتهم إنما نفى الحرج ، قال معمماً عاطفاً على ما تقديره : فمن تخلف منهم فتخلفه مباح له : { ومن يطع الله } أي المحيط بجميع صفات الكمال المفيض من آثار صفاته على من يشاء ولو كان ضعيفاً ، المانع منها من يشاء وإن كان قوياً { ورسوله } من المعذورين وغيرهم فيما ندبا إليه من أي طاعة كانت إجابته { يدخله } أي الله الملك الأعظم جزاء له-{[60358]} { جنات تجري } ونبه على قرب منال الماء بإثبات الجار في قوله : { من تحتها الأنهار } أي ففي أي موضع أردت أجريت نهراً { ومن يتول } أي كائناً من{[60359]} كان من المخاطبين الآن وغيرهم ، عن طاعة من الطاعات التي أمرا{[60360]} بها من أي طاعة كانت { يعذبه } أي على توليه في الدارين أو إحداهما { عذاباً أليماً * } وقراءة أهل المدينة والشام { ندخله ونعذبه } بالنون أظهر في إرادة العظمة لأجل تعظيم النعمة والنقمة .


[60353]:من ظ ومد، وفي الأصل: فكان.
[60354]:من ظ ومد، وفي الأصل: فكان.
[60355]:من مد، وفي الأصل و ظ: استأثره.
[60356]:من ظ ومد، وفي الأصل: هذا.
[60357]:في مد: توعد.
[60358]:زيد من ظ ومد.
[60359]:من مد، وفي الأصل و ظ: ما.
[60360]:من ظ ومد، وفي الأصل: أمر.