فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبۡهُ عَذَابًا أَلِيمٗا} (17)

{ ليس على الأعمى حرج ، ولا على الأعرج حرج ، ولا على المريض حرج } أي ليس على هؤلاء المعذورين بهذه الأعذار حرج في التخلف عن الغزو وترك الجهاد لعدم استطاعتهم ، قال مقاتل : عذر الله أهل الزمانة الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية ، والحرج الآثم .

وعن زيد بن ثابت قال : " كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لواضع القلم على أذني إذا أمر بالقتال إذ جاء أعمى فقال : كيف لي وأنا ذاهب البصر ؟ فنزلت { ليس على الأعمى حرج } الآية{[1510]} ، قال : هذا في الجهاد وليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا " ، أخرجه الطبراني ، قال السيوطي بسند حسن : وهذه أعذار صحيحه ظاهرة ، لأن أصحابها لا يقدرون على الكر والفر ، وهناك أعذار أخر ذكرها الخازن وغيره ، وموضعها كتب الفقه دون التفسير .

{ ومن يطع الله ورسوله } فيما أمراه به ونهياه عنه ، ومنه الجهاد { يدخله } بالياء وقرئ بالنون وهما سبعيتان { جنات تجري من تحتها الأنهار ، ومن يتول يعذبه عذابا أليما } أي ومن يعرض عن الطاعة ، ويستمر على الكفر والنفاق يعذبه الله عذابا شديد الألم ، كرر الوعيد لأن المقام أدعى للترهيب وفصل الوعد وأجمل الوعيد مبالغة في الوعد ، لكون الغفران والرحمة من دأبه بخلاف التعذيب ، ثم ذكر سبحانه الذين أخلصوا نياتهم وشهدوا بيعة الرضوان فقال :

{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة ، وهي بيعة الرضوان وكانت بالحديبية ، وهذه الشجرة هي سمرة كانت بها ، وقيل : سدرة ، وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا وروي أنه بايعهم على الموت وأتى بصيغة المضارع لاستحضار صورة المبايعة والسمرة من شجر الطلح ، وجمهور المفسرين على أن المراد بالطلح في القرآن الموز ، وفي الصحيح عن ابن عمر أن الشجرة أخفيت ، والحكمة في ذلك أن لا يحصل الافتتان بها لما وقع تحتها من الخير ، فلو بقيت لما أمن تعظيم الجهال لها ، حتى ربما اعتقدوا أن لها قوة نفع أو ضر ، كما نشاهده الآن فيها دونها ، ولذلك أشار ابن عمر بقوله : كان خفاؤها رحمة من الله ، كذا في الفتح وشرح المواهب .


[1510]:صحيح الجامع الصغير.