اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبۡهُ عَذَابًا أَلِيمٗا} (17)

فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة{[18]} : كيف بنا يا رسول الله ؟فأنزل الله عزّ وجلّ{[51736]} { لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ } أي في التخلف عن الجهاد { وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ } .

وذلك لأن الجهادَ عبارة عن المقاتلة والكرِّ والفَرِّ ، وهؤلاء الثلاثة لا يمكنهم الإقدام على العدو والطلب ، ولا يمكنهم الاحتراز والهرب . وفي معنى الأعرج الأَقْطَعُ والمُقْعَد بل أولى أن يعذر ، ومن به عَرَجٌ لا يمكنه من الكرِّ والفرِّ لا يعذر ، وكذلك المرض الذي لا يمنع من الكر والفر كالطّحال والسُّعال وبعض أوجاع المفاصل إذا لم يُضْعِفْهُ عن الكرِّ والفر ، فهذه الأعذار في نفس المجاهد ، وتبقى أعذار خارجة ، كالفقر الذي لا يمكن صاحبه من استصحاب ما يحتاج له وكذا الاشتغال بمن لولاه لضاع كطفلٍ أو مريضٍ .

والأعذار المبيحة مذكورة في كتب الفقه{[51737]} . وقدم الأعمى على الأعرج ، لأن عذر الأعمى يستمر ولو حضر القتال ، والأعرج إن حضر راكباً أو بطريق يقدر على القتال بالرمي وغيره .

قوله : { وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } قرأ أهل المدينة والشام ندخله ونعذبه بالنون فيهما{[51738]} . وقرآ الآخرون بالياء لقوله : { ومن يطع الله ورسوله }{[51739]} .


[18]:قال سيبويه 3/25 "فإن قلت: ما بالي أقول: واحد اثنان، فأشم الواحد، ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأن الواحد اسم متمكن، وليس كالصوت، وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج...".
[51736]:وانظر القرطبي 16/273.
[51737]:الرازي 28/93 و94.
[51738]:نافع وابن عامر وأبو جعفر. وانظر الإتحاف 396 وهي متواترة.
[51739]:وهو اختيار أبي عبيد، وأبي حاتم؛ لتقدم ذكر الله أولا. انظر القرطبي 16/274.