السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبۡهُ عَذَابًا أَلِيمٗا} (17)

{ ليس على الأعمى } أي : في تخلفه عن الدعاء إلى الخروج مع النبيّ صلى الله عليه وسلم أو مع غيره من أئمة الهدى { حرج } أي : ميل بثقل الإثم لأنه لا يمكنه الإقدام على العدوّ والطلب ولا يمكنه الاحتراز منه ولا الهرب { ولا على الأعرج } وإن كان نقصه أدنى من نقص الأعمى { حرج } وفي معنى الأعرج الزمن المقعد والأقطع { ولا على المريض } أي : بأي مرض كان يمنعه { حرج } وفي معناه صاحب السعال الشديد والطحال الكبير والذين لا يقدرون على الكرّ والفرّ فهذه أعذار مانعة من الجهاد ظاهرة ، ومن وراء ذلك أعذار أخر دون ما ذكر كتمريض المريض الذي ليس له من يقوم مقامه عليه .

تنبيه : جعل تعالى كل جملة مستقلة تأكيداً لهذا الحكم وقدم الأعمى على الأعرج لأنّ عذر الأعمى مستمر لا يمكن الانتفاع به في حرس ولا غيره بخلاف الأعرج وقدم الأعرج على المريض لأنّ عذره أشد من عذر المريض لإمكان زوال المرض عن قرب .

{ ومن يطع الله } أي : المحيط بجميع صفات الكمال المفيض من آثار صفاته على من يشاء ولو كان ضعيفاً . المانع منها من يشاء وإن كان قوياً { ورسوله } من المعذورين وغيرهم فيما ندبا إليه بأيّ طاعة كانت { يدخله } أي : الله الملك الأعظم جزاء له { جنات تجري من تحتها الأنهار } أي : من أيّ موضع أردت أجريت نهراً { ومن يتولّ } أي يعرض عن الطاعة ويستمّر على الكفر والنفاق { يعذبه } أي على توليه في الدارين أو إحداهما { عذاباً أليماً } أي مؤلماً وقرأ نافع وابن عامر ندخله ونعذبه بالنون فيهما والباقون بالياء التحتية .