روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{قَالُواْ طَـٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (19)

{ قَالُواْ } أي الرسل رداً عليهم { طَائِرُكُمْ } أي سبب شؤمكم { مَّعَكُمْ } لا من قبلنا كما تزعمون وهو سوء عقيدتكم وقبح أعمالكم .

وأخرج ابن المنذر . عن ابن عباس أنه فسر الطائرة بنفس الشؤم أي شؤمكم معكم وهو الإقامة على الكفر وأما نحن فلا شؤم معنا لأنا ندعوا إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وفيه غاية اليمن والخبر والبركة ، وعن أبي عبيدة . والمبرد { طَائِرُكُمْ } أي حظكم ونصيبكم من الخير والشر معكم من أفعالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر .

وقرأ الحسن . وابن هرمز . وعمرو بن عبيد وزر بن حبش { طيركم } بياء ساكنة بعد الطاء ، قال الزجاج : الطائر والطير بمعنى ، وفي القاموس الطير جمع طائر وقد يقع على الواحد وذكر أن الطير لم يقع في القرآن الكريم إلا جمعاً كقوله تعالى : { والطير صافات } [ النور : 41 ] فإذا كان في هذا القراءة كذلك فطائر وإن كان مفرداً لكنه بالإضافة شامل لكل ما يتطير به فهو في معنى الجمع فالقراءتان متوافقتان ، وعن الحسن أنه قرأ { أطيركم } مصدر أطير الذي أصله تطير فأدغمت التاء في الطاء فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر { أَإن ذُكّرْتُم } بهمزتين الأولى همزة الاستفهام والثانية همزة إن الشرطية حققها الكوفيون . وابن عامر وسههلها باقي السبعة .

واختلف سيبويه . ويونس فيما إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب فذهب سيبويه إلى إجابة الاستفهام أي تقدير المستفهم عنه وكأنه يستغنى به عن تقدير جواب الشرط فالمعنى عليه أئن ذكرتم ووعظتم بما فيه سعادتكم تتطيرون أو تتوعدون أو نحو ذلك ويقدر مضارع مرفوع وإن شئت قدرت ماضياً كتطيرتم .

وذهب يونس إلى إجابة الشرط وكأنه يستغنى به عن إجابة الاستفهام وتقدير مصب له فالتقدير أئن ذكرتم تتطيروا أو نحوه مما يدل عليه ما قبل ويقدر مضارع مجزوم وإن شئت قدرت ماضياً مجزوم المحل . وقرأ زر بهمزتين مفتوحتين وهي قراءة أبي جعفر . وطلحة إلا أنهما لينا الثانية بين بين ، وعلى تحقيقهما جاء قول الشاعر :

إن كنت داود بن أحوى مرجلا *** فلست براع لابن عمك محرماً

فالهمزة الأولى للاستفهام والثانية همزة إن المصدرية والكلام على تقدير حرف لام الجر أي ألأن ذكرتم تطيرتم . وقرأ الماجشون يوسف بن يعقوب المدني بهمزة واحدة مفتوحة فيحتمل تقدير همزة الاستفهام فتتحد هذه القراءة والتي قبلها معنى ، ويحتمل عدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر ، وهو على ما قيل مسوق للتعجب والتوبيخ ، وتقدير حرف الجر على حاله ، والجار متعلق بمحذوف على ما يشعر به كلام الكشاف أي تطيرتم لأن ذكرتم ، وقال ابن جني { إن ذُكّرْتُم } على هذه القراءة معمول { طائركم مَّعَكُمْ } فإنهم لما قالوا

{ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } [ يس : 18 ] أجيبوا بل طائركم معكم إن ذكرتم أي هو معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا فاكتفى بالسبب الذي هو التذكير عن المسبب الذي هو الانتهاء كما وصفوا الطائر موضع مسببه وهو التشاؤم لما كانوا يألفونه من تكارههم نعيب الغراب أو بروحه . وقرأ الحسن بهمزة واحدة مكسورة وفي ذلك احتمالان تقدير الهمزة فتتحد هذه القراءة وقراءة الجمهور وعدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر والجواب محذوف لدلالة ما قبل عليه وتقديره كما تقدم ، وقرأ أبو عمرو في رواية . وزر أيضاً بهمزتين مفتوحتين بينهما مدة كأنه استثقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف . وقرأ أيضاً أبو جعفر . والحسن وكذا قرأ قتادة . والأعمش وغيرهما { أَيْنَ } بهمزة مفتوحة وياء ساكنة وفتح النون { ذُكّرْتُم } بتخفيف الكاف على أن أين ظرف أداة شرط وجوابها محذوف لدلالة طائركم عليه على ما قيل أي أين ذكرتم صحبكم طائركم والمراد شؤمكم معكم حيث جرى ذكركم وفيه من المبالغة بشؤمهم ما لا يخفى .

وفي «البحر » من جوز تقديم الجزاء على الشرط وهم الكوفيون وأبو زيد . والمبرد يجوز أن يكو الجواب طائركم معكم وكان أصله أين ذكرتم فطائركم معكم فلما قدم حذف الفاء { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } أي عادتكم الإسراف ومجاوزة الحد في العصيان مستمرون عليه فمن ثم أتاكم الشؤم لا من قبل رسل الله تعالى وتذكيرهم فهو إضراب عما يقتضيه قوله تعالى : { أَإن ذُكّرْتُم } من إنكار أن يكون ما هو سبب السعادات أجمع سبب الشؤم لأنه تنبيه وتعريك إلى البت عليهم بلزام الشؤم وإثبات الإسراف الذي هو أبلغ وهو جالب الشؤم كله أو بل { أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } في ضلالكم متمادون في غيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من الهداة لدين الله تعالى فهو إضراب عن مجموع الكلام أجابوهم بأنهم جعلوا أسباباً للسعادة مدمجين فيه التنبيه على سوء صنيعهم في الحرمان عنها ثم أضربوا عنه إلى ما فعل القوم من التعكيس لما يقتضيه النظر الصحيح فتأمل .

ومن باب الاشارة : وقيل : في قوله سبحانه طائركم معكم إنه إشارة إلى استعدادهم الشيء الذي طار بهم عنقاء مغربة إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ طَـٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (19)

فقالت لهم رسلهم : { طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ } وهو ما معهم من الشرك والشر ، المقتضي لوقوع المكروه والنقمة ، وارتفاع المحبوب والنعمة . { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } أي : بسبب أنا ذكرناكم ما فيه صلاحكم وحظكم ، قلتم لنا ما قلتم .

{ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } متجاوزون للحد ، متجرهمون في قولكم ، فلم يزدهم [ دعاؤهم ] إلا نفورا واستكبارا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالُواْ طَـٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (19)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قالوا} فقالت الرسل: {طائركم معكم} الذي أصابكم كان مكتوبا في أعناقكم.

{أئن ذكرتم} أئن وعظتم بالله عز وجل تطيرتم بنا.

{بل أنتم قوم مسرفون} قوم مشركون والشرك أسرف الذنوب.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قالت الرسل لأصحاب القرية:"طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أئِنْ ذُكّرْتُمْ" يقولون: أعمالكم وأرزاقكم وحظّكم من الخير والشرّ مَعكم، ذلك كله في أعناقكم، وما ذلك من شؤمنا إن أصابكم سوء فيما كتب عليكم، وسبق لكم من الله... وقوله: "أئِنْ ذُكّرْتُمْ "اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار "أئِنْ ذُكّرْتُمْ" بكسر الألف من «إنْ» وفتح ألف الاستفهام: بمعنى إن ذكرناكم فمعكم طائركم، ثم أدخل على «إن» التي هي حرف جزاء ألفَ استفهام في قول بعض نحويّي البصرة، وفي قول بعض الكوفيين منويّ به التكرير، كأنه قيل: قالوا طائركم معكم إن ذُكّرتم فمعكم طائركم، فحذف الجواب اكتفاء بدلالة الكلام عليه...

والقراءة التي لا نجيز القراءة بغيرها القراءة التي عليها قرّاء الأمصار، وهي دخول ألف الاستفهام على حرف الجزاء، وتشديد الكاف على المعنى الذي ذكرناه عن قارئيه كذلك، لإجماع الحجة من القرّاء عليه...

وقوله: "بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ" يقول: قالوا لهم: ما بكم التطَيّر بنا، ولكنكم قومٌ أهل معاص لله وآثام، قد غلبت عليكم الذنوب والآثام.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قالوا طائرُكم معكم}: شؤمكم معكم حيث كنتم ما دمتم على ما أنتم عليه من العناد والتكذيب.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

"طائركم معكم"... أي سبب شؤمكم معكم وهو كفرهم، أو أسباب شؤمكم معكم، وهي كفرهم ومعاصيهم...

{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} في العصيان: ومن ثم أتاكم الشؤم، لا من قبل رسل الله وتذكيرهم، أو بل أنتم قوم مسرفون في ضلالكم متمادون في غيكم، حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من رسل الله.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

المسرف هو المجاوز الحد بحيث يبلغ الضد، وهم كانوا كذلك في كثير من الأشياء، أما في التبرك والتشاؤم فقد علم وكذلك في الإيلام والإكرام، وأما في الكفر فلأن الواجب اتباع الدليل، فإن لم يوجد به فلا أقل من أن لا يجزم بنقيضه، وهم جزموا بالكفر بعد البرهان على الإيمان، فإن قيل بل للإضرار فما الأمر المضرب عنه؟

نقول يحتمل أن يقال قوله: {أئن ذكرتم} وارد على تكذيبهم ونسبتهم الرسل إلى الكذب بقولهم: {إن أنتم إلا تكذبون} فكأنهم قالوا: أنحن كاذبون وإن جئنا بالبرهان، لا بل أنتم قوم مسرفون.

ويحتمل أن يقال أنحن مشؤومون، وإن جئنا ببيان صحة ما نحن عليه، لا بل أنتم قوم مسرفون.

ويحتمل أن يقال أنحن مستحقون للرجم والإيلام، وإن بينا صحة ما أتينا به، لا بل أنتم قوم مسرفون.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

الواجب الملقى على عاتق الرسل يقضي عليهم بالمضي في الطريق:

(قالوا: طائركم معكم)..

فالقول بالتشاؤم من دعوة أو من وجه هو خرافة من خرافات الجاهلية. والرسل يبينون لقومهم أنها خرافة؛ وأن حظهم ونصيبهم من خير ومن شر لا يأتيهم من خارج نفوسهم. إنما هو معهم. مرتبط بنواياهم وأعمالهم، متوقف على كسبهم وعملهم. وفي وسعهم أن يجعلوا حظهم ونصيبهم خيراً أو أن يجعلوه شراً. فإن إرادة الله بالعبد تنفذ من خلال نفسه، ومن خلال اتجاهه، ومن خلال عمله. وهو يحمل طائره معه. هذه هي الحقيقة الثابتة القائمة على أساس صحيح. أو التشاؤم بالوجوه، أما التشاؤم بالأمكنة أو التشاؤم بالكلمات.. فهو خرافة لا تستقيم على أصل مفهوم!

(بل أنتم قوم مسرفون)..

تتجاوزون الحدود في التفكير والتقدير؛ وتجازون على الموعظة بالتهديد والوعيد؛ وتردون على الدعوة بالرجم والتعذيب!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

حكي قول الرسل بما يرادفه ويؤدي معناه بأسلوب عربي تعريضاً بأهل الشرك من قريش الذين ضربت القرية مثلاً لهم، فالرسل لم يذكروا مادة الطيرة والطير، وإنما أتوا بما يدل على أن شؤم القوم متصل بذواتهم، لا جاءٍ من المرسلين إليهم فحكي بما يوافقه في كلام العرب تعريضاً بمشركي مكة، وهذا بمنزلة التجريد لضرب المثل لهم بأن لوحظ في حكاية القصة ما هو من شؤون المشبَّهين بأصحاب القصة.

وقرأ الجمهور {أإن ذكرتم} بهمزة استفهام داخلة على {إنْ} المكسورة الهمزة الشرطية وتشديد الكاف. وقرأه أبو جعفر {أأن ذكرتم} بفتح كلتا الهمزتين وبتخفيف الكاف من {ذكرتم}. والاستفهام تقرير، أي ألأجْللِ إن ذكرنا أسماءَكم حين دعوناكم حلّ الشؤم بينكم كناية عن كونهم أهلاً لأن تكون أسماؤهم شؤماً.

وفي ذكر كلمة {قوم} إيذان بأن الإِسراف متمكن منهم وبه قِوام قوميتهم كما تقدم في قوله: {لآيات لقوم يعقلون} في سورة البقرة (164).

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

معنى {طَائِرُكُم} يعني: تشاؤمكم {مَّعَكُمْ} أي: ملازم لكم، والمراد هنا الكفر، والهمزة الأولى في {أَئِن} للاستفهام و (إنْ) أداة شرط وجوابها محذوف تقديره: أئن ذُكِّرتم بالله وبمنهج خالقكم، وبما يُسعدكم في دنياكم تكون النتيجة أنكم تهددون المذكِّر لكم بالرجم وبالعذاب الأليم، بدل أنْ تتبركوا به وتُعينوه وتتبعوا ما جاءكم به.

{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} يعني: متجاوزون للحدِّ؛ لأن الأمر بيننا وبينكم لم يخرج عن كونه مناظرة كلامية لم نتعدَّ فيها حدود البلاغ بأننا مُرْسَلون إليكم، فكانت النتيجة أنْ قابلتم المناظرة الكلامية بهذا الفعل القاسي المسرف المتجاوز للحدِّ، حيث جمعتم علينا الرجْم والعذاب الأليم.

في هذه الأثناء، ماذا حدث؟

{وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ...}.