فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالُواْ طَـٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (19)

{ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ } أي شؤمكم معكم من جهة أنفسكم لازم في أعناقكم ، وليس هو من شؤمنا . قال الفراء : طائركم أي رزقكم وقدركم وعملكم ، وبه قال قتادة ، وقرأ الجمهور : طائركم اسم فاعل . أي ما طار لكم من الخير والشر ، وقرأ الحسن : أطيركم أي تطيركم .

{ أَئِن ذُكِّرْتُم } قرئ بهمزة استفهام بعدها إن الشرطية على الخلاف بينهم في التسهيل والتخفيف وإدخال ألف بين الهمزتين وعدمه ، وقرئ بهمزتين مفتوحتين وقرئ أين على صيغة الظرف .

واختلف سيبويه ويونس إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب ؟ فذهب سيبويه إلى أنه يجاب بالاستفهام ، وذهب يونس إلى أنه يجاب بالشرط ، وعلى القولين فالجواب هنا محذوف ، أي أئن ذكرتم ووعظتم وخوفتم فتطيرتم لدلالة ما تقدم عليه وقرئ : أن ذكرتم بهمزة مفتوحة أي لأن ذكرتم ، والقرءآت كلها سبعية ، ثم أضربوا عما يقتضيه الاستفهام والشرط من كون التذكير سببا للشؤم أو مصححا للتوعد فقالوا :

{ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } أي ليس الأمر كذلك ، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في المعصية ، فمن ثم أتاكم الشؤم من قبلكم . لا من قبل رسل الله وتذكيرهم ، أو بل أنتم مسرفون في تطيركم ، قاله قتادة . وقال يحيى بن سلام مسرفون في كفركم ، وقال ابن بحر : السرف هنا الفساد ، والإسراف في الأصل مجاوزة الحد في مخالفة الحق ، أي متجاوزون الحد بشرككم ، وهذا لا ينافي كون أهل أنطاكية أول المؤمنين برسل عيسى ، فإن الملك وقومه آمنوا وهلاك قاتلي حبيب لا يستلزم هلاك أهل أنطاكية .