الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُواْ طَـٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (19)

قوله : { طَائِرُكُم } : العامَّةُ على " طائر " اسمَ فاعل أي : ما طارَ لكم من الخيرِ والشرِّ فعبَّر عن الحَظِّ والنصيب . وقرأ الحسن - فيما رَوَى عنه الزمخشري - " اطَّيُّرُكم " مصدرُ اطَّيَّر الذي أصلُه تطَيَّر فلمَّا أُرِيْدَ إدغامُه أُبْدِلَتِ التاءُ طاءً ، وسُكِّنَتْ واجْتُلِبَتْ همزةُ الوصلِ فصار اطَّيَّرَ فيكون مصدره اطَّيُّرَاً . ولَمَّا ذكر الشيخ هذا لم يَرُدَّ عليه ، وكان هو في بعضِ ما رَدَّ به على ابن مالك في " شرح التسهيل " في باب المصادر قال : " إن مصدرَ تَطَيَّر وتدارَأ إذا أدغما وصارا اطَّيَّرَ وادَّارأ لا يجيءُ مصدرُهما عليهما بل على أصلهما فيقال : اطَّيَّر تَطَيُّراً ، وادَّارأ تدارُؤاً ، ولكنَّ هذه القراءةَ تَرُدُّه إنْ صَحَّتْ وهو بعيدٌ . وقد رَوَى غيرُه عنه " طَيْرُكم " بياء ساكنة ويَغْلِبُ على الظنِّ أنَّها هذه ، وإنما تَصَحَّفَتْ على الرائي فحَسِبها مصدراً ، وظنَّ أنَّ ألف " قالوا " همزةُ وَصْلٍ .

قوله : " أإنْ ذُكِّرْتُمْ " قرأ السبعةُ بهمزةِ استفهام بعدها " إنْ " الشرطيةُ ، وهم على ما عَرَفْتَ مِنْ أصولِهم : من التسهيلِ والتحقيق وإدخالِ ألفٍ بين الهمزتين وعدمِه في سورةِ البقرة . واختلف سيبويهِ ويونسُ إذ اجتمع استفهامٌ وشرطٌ أيُّهما يُجابُ ؟ فذهبَ سيبويهِ إلى إجابةِ الاستفهام ، ويونسُ إلى إجابة الشرطِ ، فالتقديرُ عند سيبويهِ : " أإن ذُكِّرْتُمْ تتطيَّرون " وعند يونسَ " تطيَّرُوا " مجزوماً ، فالجوابُ للشرطِ على القولين محذوفٌ . وقد تقدَّم هذا في سورة الأنبياء .

وقرأ أبو جعفر وطلحة وزرٌّ بهمزتين مفتوحتين إلاَّ أن زرَّاً لم يُسَهِّلَ الثانيةَ كقوله :

3777 أإنْ كُنْتَ داودَ بنَ أحوى مُرَجَّلاً *** فلستَ براعٍ لابنِ عمِّك مَحْرَما

ورُوي عن أبي عمروٍ وزرٍّ أيضاً كذلك ، إلاَّ أنهما فَصَلا بألفٍ بين الهمزتين . وقرأ الماجشون بهمزةٍ واحدةٍ مفتوحة . وتخريجُ هذه القراءاتِ الثلاثِ على حَذْفِ لامِ العلةِ أي : ألَئِنْ ذُكِّرْتم تطيَّرْتُمْ ، ف تَطَيَّرْتُمْ هو المعلولُ ، وأنْ ذُكِّرتم علتُه ، والاستفهامُ منسَحِبٌ عليهما في قراءةِ الاستفهامِ وفي غيرِها يكونُ إخباراً بذلك .

وقرأ الحسن بهمزةٍ واحدةٍ مكسورة وهي شرطٌ من غير استفهامٍ ، وجوابُه محذوفٌ أيضاً .

وقرأ الأعمشُ والهمدانيُّ " أَيْنَ " بصيغةِ الظرفِ . وهي " أين " / الشرطيةُ ، وجوابُها محذوفٌ عند جمهور البصريين أي : أين ذُكرتم فطائرُكم معكم ، أو صَحِبَكم طائرُكم ، لدلالةِ ما تقدَّم مِنْ قولِه " طائرُكُمْ معكم " ومَنْ يُجَوِّزُ تقديمَ الجوابِ لا يَحْتاج إلى حَذْفٍ .

وقرأ الحسن وأبو جعفر وأبو رجاء والأصمعيُّ عن نافع " ذُكِرْتُمْ " بتخفيفِ الكاف .