وقوله تعالى : { استكبارا في الأرض } بدل من { نُفُورًا } وقال أبو حيان : الظاهر أنه مفعول من أجله ، ونقل الأول عن الأخفش ، وقيل : هو حال أي مستكبرين { وَمَكْرَ } هو الخداع الذي يرومونه برسول الله صلى الله عليه وسلم والكيد له ، وقال قتادة هو الشرك وروي ذلك عن ابن جريرج ، وهو عطف على { واستكبروا استكبارا } وأصل التركيب وأن مكروا الشيء على أن { السيء } صفة لموصوف مقدر أي المكر المسيء ثم أقيم المصدر مقام أن والفعل وأضيف إلى ما كان صفة ، وجوز أن يكون عطفاً على { إِلاَّ نُفُورًا } وقرأ الأعمش . وحمزة { السيء } باسكان الهمزة في الوصل إجراء له مجرى الوقف أو لتو إلى الحركات وإجراء المنفصل مجرى المتصل ، وزعم الزجاج أن هذه القراءة لحن لما فيها من حذف الاعراب كما قال أبو جعفر .
وزعم محمد بن زيد أن الحذف لا يجوز في نثر ولا شعر لأن حركات الاعراب دخلت للفرق بين المعاني ، وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش قرأ بها ، وقال : إنما كان يقف على هذه الكلمة فغلط من أدى عنه ، والدليل على هذا أنها تمام الكلام ولذا لم يقرأ في نظيرها كذلك مع أن الحركة فيه أثقل لأنها ضمة بين كسرتين ، والحق أنها ليست بلحن ، وقد أكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد والاحتجاج للإسكان من أجل توالي الحركات والوصل بنية الوقف ، وقال ابن القشيري : ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أنه قرئ به فلا بد من جوازه ولا يجوز أن يقال لحن ، ولعمري أن الإسكان ههنا أحسن من الإسكان في { إلى بَارِئِكُمْ } كما في قراءة أبي عمرو ، وروي عن ابن كثير { وَمَكْرَ } بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة وهو مقلوب السيء المخفف من السيء كما قال الشاعر :
ولا يجزون من حسن بسيء *** ولا يجزون من غلظ بلين
وقرأ ابن مسعود { مَكْرًا سَيّئاً } عطف نكرة على نكرة { وَلاَ يَحِيقُ المكر } أي لا يحيط { السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ } .
وقال الراغب : أي لا يصيب ولا ينزل ، وأياً ما كان فهو إنما ورد فيما يكره ، وزعم بعضهم أن أصل حلق حق فجيء بدل أحد المثلين بالألف نحو ذم وذام وزل وزال ، وهذا من ارسال المثل ومن أمثال العرب من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا ، وعن كعب أنه قال لابن عباس : قرأت في التوراة من حفر مغواة وقع فيها قال : أنا وجدت ذلك في كتاب الله تعالى فقرأ الآية ، وفي الخبر «لا تمكروا ولا تعينوا ماكراً فإن الله تعالى يقول ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ولا تبغوا ولا تعينوا باغياً فإن الله سبحانه يقول { إنما بغيكم على أنفسكم } [ يونس : 23 ] » وقد حاق مكر هؤلاء بهم يوم بدر .
والآية عامة على الصحيح والأمور بعواقبها والله تعالى يمهل ولا يهمل ووراء الدنيا الآخرة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، وبالجملة من مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلاً في الظاهرففي الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك ، أسأل الله تعالى بحرمة حبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يدفع ويرفع عنا مكر الماكرين وأن يعاملهم في الدارين بعدله إنه سبحانه القوى المتين . وقرئ { وَلاَ يَحِيقُ } بضم الياء { المكر } بالنصب على أن يحيق من أحاق المتعدى وفاعله ضمير راجع إليه تعالى و { يَحِيقُ المكر } مفعوله { فَهَلْ يَنظُرُونَ } أي ما ينتظرون ، وهو مجاز بجعل ما يستقبل بمنزلة ما ينتظر ويتوقع { إِلا سُنَّتُ الاولين } أي إلا سنة الله تعالى فيهم بتعذيب مكذبيهم .
{ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً } بأن يضع سبحانه موضع العذاب { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً } بأن ينقل عذابه من المكذبين إلى غيرهم ، والفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب من مجيئه ، ونفي وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفي وجودهما بالطريق البرهاني ، وتخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد انتفائهما ، والخطاب عام أو خاص به عليه الصلاة والسلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.