الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

قوله : { اسْتِكْبَاراً } : يجوزُ أَنْ يكونَ مفعولاً له أي : لأجل الاستكبارِ ، وأَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " نُفوراً " ، وأنْ يكونَ حالاً أي : حالَ كونِهم مُسْتكبرين . قاله الأخفش .

قوله : " ومَكْرَ السَّيِّئِ " فيه وجهان ، أظهرُهما : أنه عطفٌ على " استكباراً " . والثاني : أنه عطفٌ على " نُفوراً " وهذا مِنْ إضافة الموصوفِ إلى صفتِه في الأصلِ ؛ إذ الأصلُ : والمكرَ السَّيِّئ . والبصريون يُؤَوِّلونه على حَذْفِ موصوفٍ/ أي : العمل السِّيِّئ .

وقرأ العامَّةُ بخفضِ همزةِ " السَّيِّئ " ، وحمزة والأعمش بسكونِها وَصْلاً . وقد تَجَرَّأتِ النحاةُ وغيرُهم على هذه القراءةِ ونسبوها لِلَّحْنِ ، ونَزَّهوا الأعمشَ عَنْ أَنْ يكونَ قرأ بها . قالوا : وإنما وَقَفَ مُسَكِّناً ، فظُنَّ أنه واصَلَ فَغُلِط عليه . وقد احتجَّ لها قومٌ آخرون : بأنه إجراءٌ للوَصْلِ مُجْرَى الوقفِ ، أو أَجْرى المنفصلَ مُجْرى المتصلِ . وحَسَّنه كونُ الكسرةِ على حَرْفٍ ثقيل بعد ياءٍ مشددةٍ مكسورةٍ . وقد تقدَّم أنَّ أبا عمروٍ يَقْرأ " إلى بارِئْكم " بسكونِ الهمزةِ . فهذا أَوْلَى لزيادةِ الثقلِ ههنا . وقد تقدَّمَ هناك أمثلةٌ وشواهدُ فعليك باعتبارِها . ورُوِيَ عن ابنِ كثير " ومَكْرَ السَّأْيِ " بهمزةٍ ساكنةٍ بعد السينِ ثم ياءٍ مكسورةٍ . وخُرِّجَتْ على أنها مقلوبةٌ من السَّيْئِ ، والسَّيْئُ مخففٌ من السَّيِّئ كالميْت من الميِّت قال الحماسي :

3773 ولا يَجْزُوْنَ مِنْ حَسَنٍ بسَيْءٍ *** ولا يَجْزُون مِنْ غِلَظٍ بلِيْنِ

وقد كَثُر في قراءتِه القلبُ نحو " ضِئاء " و " تَاْيَسوا " و " لا يَاْيَسُ " كما تقدم تحقيقُه .

وقرأ عبد الله : " ومَكْراً سَيِّئاً " بالتنكيرِ ، وهو موافِقٌ لما قبلَه . وقُرِئ " ولا يُحيق " بضمِّ الياء ، " المكْرَ السَّيِّئَ " بالنصب على أنَّ الفاعلَ ضميرُ الله تعالى أي : لا يُحيط اللَّهُ المكرَ السيِّئَ إلاَّ بأهله .

قوله : " سُنَّةَ الأوَّلِيْن " مصدرٌ مضافٌ لمفعولِه ، و " سنةِ الله " مضافٌ لفاعلِه ؛ لأنَّه تعالى سَنَّها بهم ، فصَحَّتْ إضافتُها إلى الفاعلِ والمفعولِ .