جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

وقوله : اسْتِكْبارا في الأرْضِ يقول : نفروا استكبارا في الأرض ، وخِدْعة سيئة ، وذلك أنهم صدّوا الضعفاء عن اتباعه مع كفرهم به . والمكر هاهنا : هو الشرك ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَمَكْرَ السّيّىءِ وهو الشرك .

وأضيف المكر إلى السيىء ، والسيىء من نعت المكر ، كما قيل : إن هذا لهو حقّ اليقين . وقيل : إن ذلك في قراءة عبد الله : «وَمَكْرا سَيّئا » ، وفي ذلك تحقيق القول الذي قلناه من أن السيىء في المعنى من نعت المكر . وقرأ ذلك قرّاء الأمصار غير الأعمش وحمزة بهمزة محركة بالخفض . وقرأ ذلك الأعمش وحمزة بهمزة وتسكين الهمزة اعتلالاً منهما بأن الحركات لما كثرت في ذلك ثقل ، فسكنا الهمزة ، كما قال الشاعر :

*** إذا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَوّمِ ***

فسكّن الباء ، لكثرة الحركات .

والصواب من القراءة ما عليه قرّاء الأمصار من تحريك الهمزة فيه إلى الخفض ، وغير جائز في القرآن أن يقرأ بكل ما جاز في العربية ، لأن القراءة إنما هي ما قرأت به الأئمة الماضية ، وجاء به السلف على النحو الذي أخذوا عمن قبلهم .

وقوله : وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السّيّىءُ إلاّ بأهْلِهِ يقول : ولا ينزل المكر السيىء إلاّ بأهله ، يعني بالذين يمكرونه وإنما عَنَى أنه لا يحل مكروه ذلك المكر الذي مكره هؤلاء المشركون إلاّ بهم .

وقال قتادة في ذلك ما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السّيّىءُ إلاّ بأهْلِهِ وهو الشرك .

وقوله : فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ سُنّةَ الأوّلِينَ يقول تعالى ذكره : فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلاّ سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به أليمَ العقاب . يقول : فهل ينتظر هؤلاء إلاّ أن أُحلّ بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي مثل الذي أحللت بمن قبلهم من أشكالهم من الأمم ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ سُنّتَ الأوّلِينَ : أي عقوبة الأوّلين .

فَلَنْ تَجِدَ لِسُنّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً يقول : فلن تجد يا محمد لسنة الله تغييرا .

وقوله : وَلَنْ تَجِدَ لِسُنّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً يقول : ولن تجد لسنّة الله في خلقه تبديلاً يقول : لن يغير ذلك ، ولا يبدّله ، لأنه لا مردّ لقضائه .