تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

42

{ استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا }

المفردات :

استكبارا : عتوا وتعاليا عن الإيمان .

مكر السيئ : مكر العمل السيئ وهو الشرك وخداع الضعفاء وردهم عن الإيمان والكيد لرسول الله .

ولا يحيق : ولا يحيط .

ينظرون : ينتظرون .

سنة الأولين : سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم .

تبديلا : وضع غير العذاب موضع العذاب .

تحويلا : نقل العذاب من المكذبين على غيرهم .

التفسير :

تكمل هذه الآية الآية السابقة ، فعندما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم أعرضوا عنه وابتعدوا وما زادهم دعاؤه وهدايته إلا نفورا منه ومن تفصيل ذلك النفور : تكبرهم واستعلاؤهم بالباطل وادعاؤهم أنهم أعلى شأنا من المؤمنين وأن المؤمنين فقراء ضعفاء ثم اجتهاد هؤلاء الكفار في الكيد والدس ومكر العمل السيئ حيث عذبوا المؤمنين وضايقوهم وحاولوا حبس النبي أو نفيه أو قتله ودبروا الكيد ودبر الله حفظ رسوله وحل بهم عاقبة مكرهم وعلى الباغي تدور الدوائر .

{ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله . . . } ولا يحيط المكر السيئ ولا ينزل عقابه إلا بأهله الذين دبروه وبيتوه ومن أمثال العرب : ( من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا ) وقد حاق نمكر هؤلاء بهم يوم بدر حيث قتلوا وأسروا وانهزموا ونصر الله المؤمنين عليهم نصرا عزيزا .

تلك سنة الله التي لا تتخلف أن يمهل الظالمين وأن يحق الحق وأن يأخذ الظالمين بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر .

{ فهل ينظرون إلا سنت الأولين . . . } أي : ما ينظرون إلا سنة الله تعالى في المكذبين السابقين كعاد وثمود حيث أخذهم الله بتعذيب مكذبيهم .

{ فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا } تلك قوانين كونية ثابتة ، وضعها الله تبارك وتعالى ، ومنها أن يرسل الرسل وينزل الكتب ويمهل الناس ويقدم لهم المعجزات والبينات ويوضح لهم صدق الدعوة وأدلة الإيمان فإذا اشتد العنت والتكذيب كانت العاقبة للمتقين والعذاب للكافرين تلك سنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول فلا ينقل العذاب عن المكذبين و لا يحوله إلى غيرهم لأنه عادل حكيم فلا يضع الشيء في غير موضعه .

وقريب من معنى هذه الآية قوله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين . الأنفال : 30 ) .