فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

{ اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ } أي لأجل الاستكبار والعتو ، أو بدل من نفور أو حال ، قاله الأخفش ، وهذا جواب لما ، وفيه دليل على أنها حرف لا ظرف ، إذ لا يعمل ما بعد { ما } النافية فيما قبلها وتقدمت له نظائر ، وإسناد الزيادة إلى النذير مجاز لأنه سبب في ذلك كقوله : { فزادتهم رجسا إلى رجسهم } .

{ وَمَكْرَ السَّيِّئِ } أي ولأجل مكر العمل السيئ ، أو منكرو المكر السيئ والمكرهو الحيلة والخداع والعمل القبيح ، وأضيف إلى صفته كقولهم : مسجد الجامع وصلاة الأولى قرأ الجمهور : ومكر السيئ بخفض همزة السيئ ، وقرأ الأعمش وحمزة : بسكونها وصلا ، وقد غلط كثير من النحاة هذه القراءة ونزهوا الأعمش على جلالته أن يقرأ بها . قالوا : وإنما كان يقف بالسكون فغلط من روى عنه أنه كان يقرأ بالسكون وصلا ، وتوجيه هذه القراءة ممكن بأن من قرأ بها أجرى الوصل مجرى الوقف ، ومثله قراءة من قرأ : ( ما يشعركم ) بسكون الراء ومثل ذلك قراءة أبي عمر : ( وإلى بارئكم ) بسكون الهمزة . وغير ذلك كثير قال أبو علي الفارسي : هذا على إجراء الوصل مجرى الوقف وقرأ ابن مسعود ومكرا سيئا .

{ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السيئ إِلاَ بِأَهْلِهِ } أي لا تنزل عاقبة السوء إلا بمن أساء . قال الكلبي : يحيق بمعنى يحيط ، والحوق الإحاطة يقال : حاق به كذا أي أحاط به ، وهذا هو الظاهر من معنى يحيق في لغة العرب ولكن قطرب فسره هنا بينزل .

{ فَهَلْ يَنظُرُونَ } أي ما ينتظرون { إِلاَ سُنَّة الأوَّلِينَ } أي سنة الله فيهم بأن ينزل بهؤلاء العذاب كما نزل بأولئك { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّة الله تَبْدِيلا } أي لا يقدر أحد أن يبدل سنة الله التي سنها بالأمم المكذبة من إنزال عذابه بهم ، بأن يضع موضعه غيره بدلا عنه ، والفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب .

{ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّة الله تَحْوِيلا } بأن يحول أحد ما جرت به سنة الله من العذاب فيدفعه عنهم ويضعه على غيرهم ونفي وجدان التبديل والتحويل كناية عن نفي وجودهما بالطريق البرهاني ، وتخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد انتفائهما .