روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

{ فاستفتهم } أي فاستخبرهم ، وأصل الاستفتاء الاستخبار عن أمر حدث ، ومنه الفتى لحداثة سنه ، والضمير لمشركي مكة ، قيل : والآية نزلت في أبي الأشد بن كلدة الجمحي وكني بذلك لشدة بطشه وقوته واسمه أسيد ، والفاء فصيحة أي إذا كان لنا من المخلوقات ما سمعت أو إذا عرفت ما مر فاستخبر مشركي مكة واسألهم على سبيل التبكيت { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أي أقوى خلقة وأمتن بنية أو أصعب خلقاً وأشق إيجاداً { أَم مَّنْ خَلَقْنَا } من الملائكة والسموات والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشياطين والشهب الثواقب ، وتعريف الموصول عهدي أشير به إلى ما تقدم صراحة ودلالة وغلب العقلاء على غيرهم والاستفهام تقريري ، وجوز أن يكون انكارياً ، وفي مصحف عبد الله { أَم مَّنْ } وهو مؤيد لدعوى العهد بل قاطع بها . وقرأ الأعمش { إِلَيْهِ مِن } بتخفيف الميم دون أم جعله استفهاماً ثانياً تقريرياً فمن مبتدأ خبره محذوف أي أمن خلقنا أشد { إِنَّا خلقناهم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ } أي ملتصق كما أخرج ذلك ابن جرير . وجماعة عن ابن عباس ، وفي رواية أخرى بلفظ ملتزق وبه أجاب ابن الأزرق وأنشد له قول النابغة

فلا تحسبون الخير لا شر بعده *** ولا تحسبون الشر ضربة لازب

قيل : والمراد ملتزق بعضه ببعض ، وبذلك فسره ابن مسعود كما أخرجه ابن أبي حاتم ويرجع إلى حسن العجن جيد التخمير ، وأخرج ابن المنذر . وغيره عن قتادة أنه يلزق باليد إذا مس بهاد وقال الطبري : خلق آدم من تراب وماء وهواء ونار وهذا كله إذا خلط صار طيناً لازباً يلزم ما جاوره ، واللازب عليه بمعنى اللازم وهو قريب مما تقدم ، وقد قرئ { *لازم } بالميم بدل الباء و { *لاتب } بالتاء بدل الزاي والمعنى واحد . وحكي في البحر عن ابن عباس أنه عبر عن اللازب بالحر أي الكريم الجيد ، وفي رواية أنه قال : اللازب الجيد .

وأخرج عبد بن حيمد . وابن المنذر عن مجاهد أنه قال : لازب أي لازم منتن ، ولعل وصفه بمنتن مأخوذ من قوله تعالى : { مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [ الحجر : 26 ] لكن أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال : اللازب والحماء والطين واحد كان أوله تراباً ثم صار حمأ منتنا ثم صار طيناً لازباً فخلق الله تعالى منه آدم عليه السلام .

وأياً ما كان فخلقهم من طين لازب إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة أو احتجاج عليهم في أمر البعث بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه في ضمن خلق أبيهم آدم عليه السلام تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا منه مرة ثانية حيث قالوا : { أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [ الصافات : 16 ] ويعضد هذا على ما في الكشاف ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعثث .

[ بم وقوله تعالى :